الأحد، 30 أكتوبر 2011

من أجل ثورة حقيقية

في سياق الثورات العربية تصنفت النخب والجموع الشعبية إلى عدد من التيارات بات من الضروري الحديث عنها بوضوح، فالحاجة اليوم ماسة للفرز أكثر مما هي للوحدة، "الوحدة المثالية" بين صنوف المعارضة في سبيل تحقيق "الهدف الموحد"!
ينقسم الشارع والنخب إلى ثلاثة تيارات أساسية:
·       التيار المحافظ .
·       التيار العدمي .
·       التيار الراديكالي المتيقظ .
يتشكل تيار المحافظين من الإسلاميين والليبراليين والنظام القائم على حد سواء، فمعنى أن تكون محافظاً هو أن تكون راغباً في وعاملاً على الحفاظ على "النظام"الحالي"، ومعنى النظام الحالي هو مجموعة السياسات والقوانين التي يسير بها المجتمع سياسياً وإجتماعياً والأهم إقتصادياً، فالإسلاميون ينخرون صفوف المعارضة ويعملون على تصدرها للإستيلاء على النظام والإبقاء عليه، بمعنى آخر لإسقاط مسمياته وإستبدالها بمسمياتهم، فبر نامج الحركات الإسلامية معروف للجميع، يتصدره الجانب الإجتماعي المتعلق بنصوص الشريعة،وفي الجانب الإقتصادي المعاش ، لا يتضمن برنامج هذه الحركات أي تغيير للواقع الحالي ولا يقدم حلول واقعية لمشاكل الفقر والبطالة والطرفية في الإنتاج، وبالتالي هي وجه آخر لذات النظام.
ويشكل الليبراليون مكوناً آخر لهذا الصنف، وهم مكونون بالأغلب من الفئات المستفيدة طبقياً من بقاء النظام، وتجنح إجتماعياً لنمط غير متدين، وبالتالي هي أميل للحفاظ على النظام شكلاً ومضموناً، والحفاظ حتى على المسميات الراهنة.
يتقاطع الإسلاميون والليبراليون في الرغبة في الحفاظ على النظام جوهرياً، وكلاهما يتبنى في عمله طريقة سليمة لخدمة مبدأً غير سليم.
التيار الثاني هو التيار العدمي، وهو التيار الذي يتوقف عند حدود "الشعب يريد إسقاط النظام"ولا يخوض أبداً في التفاصيل، ويتكون من مجموعة من المتثاقفين والمندفعين العميان ،و يروج هذا التيار نفسه على أنه الأكثر راديكالية، ولكنه عملياً غارق في العدمية، ينظر إلى تدخل الناتو على أنه مسألة ثانوية، وينظر إلى سياسات الأنظمة على أنها التي جلبت التدخل الخارجي وليس أي شيء آخر "الطموحات التوسعية وتأبيد التبعية على سبيل المثال"، يتقاطع هذا التيار شكلياً مع كل التيارات التي تعمل على إسقاط النظام شكلاً أو مضموناً أو كلاهما ، وشكلياً هنا دلالة على هامشية دور هذا التيار، ومن هنا تأتي عدميته أساساً، فهو لا يحمل مشروع خاص به لأنه يخشى التفاصيل، ولأنه يخشى كذلك الحلول الصعبة، المرهقة ذهنياَ، وبالتالي يتبنى خيار المزاج العام ويعرض عن تغييره أو تصحيحه.يتبنى هذا التيار طريقة غير سليمة لخدمة نوايا طيبة وغير واضحة المعالم تماماً، وليس لديه أي تحفظات على بدائل السلطات القائمة من باب الإستعدادية لجولات صراع جديدة.
التيار الثالث والأهم والذي ربما لم يولد بعد بالشكل الكامل، هو التيار الراديكالي المتيقظ، الذي يبحث عن إسقاط النظام شكلاً ومضموناً إنطلاقاً من المحددات التالية:
·       الهدف الأساسي للرأسمالية العالمية هو تأبيد التبعية المالية والإنتاجية على حد سواء، ولا ينسحب ذلك بالمناسبة على التبعية الثقافية الإجتماعية، ولذلك نرى أن لا مانع لدى الإدارة الأمريكية أن تستلم السلطةالسياسية تيارات دينية ولكنها في ذات الوقت غير معيقة لشكل التبعية الأساسي "المالي والإنتاجي".
·       وبالتالي، ينطلق مفهوم إسقاط النظام من نقطة تغيير هذه الصيغة، من نقطة بناء نظام يعمل على "وقف التدفق"، تدفق المنتجات والسلع من المركز إلى الأطراف، يبني المنطقة العربية إنتاجياً من جهة أولى، ويفك ديونها المالية من جهة ثانية، ويساهم في تأزيم التجمعات الإمبريالية من جهة ثالثة. ، ضمن هذه الصيغة، الإسلاميون والليبراليون محافظون، والعدميون غير محددين وتائهين..
·       إن ما يحصل في الدول العربية من إنتفاضات شعبية، لهو فرصة للتيار الراديكالي المتيقظ أن يحول الإنتفاضات إلى ثورات، لأنه الوحيد القادر على حفر هذه الصيغة في العقل الإستراتيجي وإجتراح التكتيكات المناسبة التي ستؤدي تراكماتها في نهاية المطاف إلى هذه الصيغة.
إن تسويف تطبيق الحلول النهائية والدفاع عنها وترويجها هو بمثابة الحرمان منها، الشعب اليوم بحاجة إلى إسقاط "النظام"....

الاثنين، 17 أكتوبر 2011

إما الإشتراكية وإما الهمجية

الإشتراكية أو الهمجية، جملة كانت روزا لوكسمبرغ أشهر من تبناها، جملة تنفي خيار المنطقة الرمادية، وتنفي كذلك خيار تشذيب خيار الرأسمالية لتصبح أقل وحشية وأكثر مواءمةً للحياة والطبيعة والبشرية.
بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية ،التي مثلت التجربة العملية الحديثة الأولى، إنفرد قطب واحد في صياغة شكل العالم الجديد، وهذه الصياغة لم تقف عند حدود صياغة النظام الإقتصادي العالمي، بل توسعت كذلك لتشمل صياغة "النظام الثقافي العالمي"، أي صياغة المفاهيم لتتحول في مكان ما إلى مسلمات، يعيشها الناس وكأنها خياراً أوحداً بلا رديف أو نقيض.
لقد زرعت الرأسمالية مجموعة من المفاهيم في أذهان البشر، وحاولت تجذيرها في الوعي وكأنها مطلق، إحدى هذه المفاهيم هي تطوير القدرات البشرية.
الفقر أصل الإبداع !!
هناك شروط قبلية لتطوير القدرات البشرية ، تطوير المهارات القادرة على حمل مجتمع بأكمله، هذه الشروط تتمثل في: غذاء كاف، عناية صحية جيدة، تعليم جيد، القدرة على الإختيار، إختيار المكان المناسب للعمل وللإبداع، إختيار غير محكوم إلا للميول والرغبة، وليس لسياسات العرض والطلب.
تروج الرأسمالية إلى أن توتير الحاجة، وحتى الحاجة الأساسية هي الأساس في تطوير المهارات والقدرات الذاتية، البحث عن مزيد من المال هو المحث الأساسي للإبداع، وهنا يكمن الوهم. كيف لنا أن نطور من قدراتنا ونحن جائعون، مرضى، مأسورون لخيارات العرض والطلب لنقتل الميول والرغبة فينا لحساب أكثر المهن إدراراً للمال؟
لقد دفعت الرأسمالية بهذه الفكرة إلى أقصاها، إلى الحد الذي جذرت معه في الوعي الجمعي أن العمل ليلاً نهاراً بطولة، وسوى ذلك كسلاً وخمولاً، فتصبح نيويورك عاصمة العمل والنشاط والتطوير الدائم للقدرات، وسواها تصبح عواصم الكسل والخمول.
لم يكن الفقر والحاجة للمال يوماً أساساً للإبداع، قد تكون الحاجة أم الإختراع، ولكنها ليست الحاجة إلى المال، وليست أبداً الحاجة إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، وقائمة أسماء العلماء والفلاسفة في التاريخ تقدم دليلاً واضحاً على ذلك.
غياب التطور الحر
لطالما تغنت الرأسمالية بحفاظها على الحق الفردي، ومنح الحرية للأفراد دون التقيد بأي شكل من أشكال المشروع الجماعي، ولكنها في الواقع تعبر عن أقصى أشكال التقييد والإهانة للحرية الفردية ذاتها.
إن التطوير المطلوب للمهارات هو ذلك المتسق وسياسات العرض والطلب من جهة، والمتناغم مع مطالب رأس المال من جهة أخرى. المهارات المطلوبة هي المهارات التي تعود على "المؤسسة" بالنفع، ليس العامل من يحدد شكل النفع ولا شكل المهارة المطلوبة له، رأس المال من يفعل ذلك، ورأس المال هو من يجعل من البشر والطبيعة والوجود وسائل لهدف واحد: الربح!
إن شكل العلاقة الإنتاجية في المجتمع الرأسمالي تنحي أي فرصة في التطوير الحر للقدرات البشرية، فهناك رأس المال الباحث عن تخفيض الأجور، وزيادةساعات العمل، وتكثيف يوم العمل، وفرض أنظمة الرقابة للأداء،ورفع مستوى العمل غير المدفوع إلى أقصاه وفي الجانب الآخر، هناك العامل، المستعد لبيع قدرته على العمل، وهذا الطرف يبحث عن النقيض تماماً، تقليص ساعات العمل الإجباري، رفع الأجور، حرية البحث بما يتناسق مع الميول والرغبة "هوس المعرفة". وفي خضم هذا الصراع تضيع المتعة في العمل وتضيع الحرية في التطوير والبحث.
حرمان الخبرات الجديدة
"إن الوقت هو غرفة تطوير البشرية"، وهذا التطوير ليس أحادي البعد، هو التطوير القادر على خلق إنسان متعدد الأبعاد، يمتلك ذائقة منوعة للظواهر المختلفة التي تحيط به.
لقد تمكنت الرأسمالية ومن خلال عدة مفاهيم إلى خلق "آلات بشرية"، فمع إستلاب الوقت المتواصل لصالح العمل، بات العديد من الناس عاجز عن عمل أي شيء آخر، وهنا تكمن خطورة هذا النظام: إستلاب الذائقة !
وفي إتجاه آخر نشرت الرأسمالية مفهوم "مسار المهنة"CareerPath"، وهو الطريق المحتوم لأي عامل وبناءً على إختصاصه فقط، إنه تراكم العمل المكرر متشكلاً على هيئة خبرة، والإنتقال عن هذا المسار إلى مسار آخر في محطة ما، له ثمن باهظ، لا لشيء سوى أن عدد الآلات البشرية المدرة للأرباح نقص واحداً.
المشكلة ليست في الإستغلال، ولو كانت هذه هي المشكلة لأمكن حلها من خلال ترجيح كفة العمال على المالكين "تشريعات عمل، تقليل ساعات العمل، وبالتالي فرص عمل إضافية". ولكن رأس المال لا ينام أبداً، رأس المال لا يقبل إلا بعقد إجتماعي على مقاس الأرباح، وجهة النظر الراديكالية حيال هذا النظام واضحة وليست متطرفة، "إما لا شيء أو الكل".
لا يمكن أن تكون نهاية التاريخ كما رسمها فوكويوما، فلو كانت كذلك، فستكون حتماً نهاية الوجود، فالرأسمالية هي النقيض الصارخ للحفاظ على البيئة كما هي تماماً النقيض الصارخ لإنقاذ البشر من الجوع.
إن كنا نؤمن في الناس، إن كنا نؤمن بهدف تطوير البشرية فأمامنا خياران إثنان: إما الإشتراكية وإما الهمجية.

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

السعودية: الرمز هو الماعز

في عام 1973إتخذت السعودية قرارا جريئاً بوقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة بناءً على موقفها من الحرب ودعمها الواضح لإسرائيل فيها، كان هذا القرار جماعياً لجملة دول مصدرة للنفط، وقد تبنى الملك فيصل آنذاك هذا القرار.
لقد شعرت الولايات المتحدة الأمريكية أنها في ورطة حقيقية، والأهم من ذلك أنها بدأت في التفكير بأن لا يتكرر هذا القرار في المستقبل مرة أخرى نظراً لتأثيره على الإقتصاد الأمريكي وضربه لبنى الإنتاج مباشرة والمعتمدة بشكل أساسي على الطاقة، الطاقة التي تعتمد على مادة أولية إسمها النفط.

تنتشر في أمريكا شركات الإستشارات بشكل كبير وفي كل القطاعات، وإحدى هذه القطاعات هو الإقتصاد نفسه، المهمة الأساسية لهذه الشركات هي دراسة الواقع الإجتماعي والإقتصادي للمجتمعات المستهدفة، وتوريطها للوقوع في شرك التبعية الإقتصادية إلى أن تستلب قرارها الإقتصادي والسياسي بفعل الديون، ولا تقوى لاحقاً على إتخاذ أي قرار قد يخالف مصلحة قائدة الإمبريالية في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية.
شركة مين المتصلة مباشرة بوكالة الإستخبارات االمركزية الأمريكية، بدأت مشوارها بعد إلغاء قرار إيقاف تصدير النفط ، وزارت الرياض للبحث في حيثيات المهمة، وكانت نقطة الإنطلاق هي الماعز، فلقد شاهد مندوبو هذه الشركة قطيع الماعز أمام مبنى حكومي للتخلص من القمامة ولأداء المهمة التي لا يرغب الناس عنها.نقطة الإنطلاق كانت شركة بتقنيات عالية تقوم بهذه المهمة، ويلحق خلفها سيلٌ من الشركات حاملة معها مظاهر "حداثية"أخرى، وحاملة معها كذلك تلالٌ من الديون تحمتها السعودية.
اليوم وبعد أن تم إستكمال مشروع التبعية في السعودية، والذي يحمل في طياته قصصاً أخرى عديدة تدلل على فساد النظام الحاكم، تلعب هي نفسها "السعودية" دور "تمعيز" باقي الدول العربية أو الحفاظ على "تمعيزها":

· كان واضحاً التدخل السعودي في اليمن للحفاظ على اليمن كما هو، بلداً متراجعاً لا حول له ولا قوة، تدخل معناه الوحيد هو إجهاض الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها الأساسية المتمثلة في بناء نظام عادل وقادر ومنتج.
·   الضخ السعودي للمال لشراء الثورة داخلياً و حماية الأنظمة المساندة خارجياً .
·االمناطق الطرفية في السعودية هي مناطق فقيرة، وقد تشكلت على مدار الغقود الماضية فئة واسعة من المهمشين والمفقرين، ولن تكفي آليات شراء الثورة إلى أمد بعيد، وسيتمثل الخط الثاني في القمع الأمني المدعوم بمرتزقة غير سعودية.
معركة الشعوب العربية في ثوراتها معركة مركبة، تتحدد فيها أطراف متعددة للصراع و لها مصالح مشتركة:
·  الإمبريالية العالمية الساعية إلى تأبيد منظومة التبعية ( إستهلاك، مجتمعات متخلفة صناعياً وتقنياً) وترتدي هذه التكتلات من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرنسا إلى بريطانيا ثوب الحرص على الديمقراطية كمدخل أساسي.
·الأنظمة العربية الوكيلة، المستفيدة والمغتنية، والتي لا ترغب في تقديم أية مبادرات تقلص من أرباحها الخاصة، ومن هنا تسقط بالكامل أي فكرة لها علاقة بإصلاح النظام بديلاً عن إسقاطه.
·محاور إقليمية توسعية، لها مشروعها الخاص في فتح الأسواق العربية لمنتجاتها، وتبني دوراً سياسياً جديداً في المنطقة العربية، وتركيا تعد مثالاً واضحاً على ذلك.
لا بد للثورات العربية أن تكون ثورات دائمة، تسقط الأنظمة العميلة، وتمنع حمايتها من قبل الأطراف الخارجية، وتمنع إستبدالها على مزاج الأطراف الخارجية كذلك، المعركة مفتوحة بشكل واضح على المستوى الرسمي، بمعنى أن هذه الأنطمة متكاتفة لحماية بعضها وبشكل واضح.
المطلوب الآن هو إستكمال شروط الهدم، مع الأخذ بعين الإعتبار أساسات البناء القادم، الذي لا بد له أن يتجاوز الحلول القطرية إن رغبت الشعوب العربية أن تنهض من جديد!