الجمعة، 11 نوفمبر 2011

في الأردن أيضاً، "سود وبيض معاً"

لا يخفى على أحد مشاهد التمييز العنصري الذي يمارس جزء كبير منه حتى اليوم في "أم الديمقراطيات"، الولايات المتحدة الأمريكية، مشاهد لا إنسانية كثيرة قادت عملياً إلى إندلاع ثورة الزنوج عام 1963.
في سياق مواجهة السلطة لهذه الثورة ولمقدماتها سابقاً، كالعادة، كانت هناك العصا والجزرة، وعود بتعديلات قانونية كثيرة "توفير فرص عمل، السماح للزنوج بدخول حوانيت البيض، السماح للطلبة الزنوج الدراسة في "مدارس البيض""، وفي الجانب الآخر إعتقالات جماعية إمتلأت بعدها السجون، الضرب والإهانة، إحاطة الشباب الزنجي بسياج كهربائي لمنعه مغادرة منطقة ما، والإنتهاء بغرفة الغاز التي إستخدمتها السلطة الأميركية لدراسة نفسية الزنوج بالإعتماد على ردات فعلهم الأخيرة قبل مفارقة الحياة.نادى الزنجي المعتقل "جو لويس، جو لويس"، لقد كان جو أحد أبطال الملاكمة الزنوج، وكان ذاك المعتقل يحلم بأن يأتيه جو من بعيد ليحطم أبواب غرفة الغاز، وينقذ حياته.
مع كل ذلك، كان إحدى أهم شعارات مارتن لوثر كينج في المواجهة: "سود وبيض معاً، إنها ثورة سكان الجنوب"، لقد ساعد عدد كبير من البيض في دفع كفالات المعتقلين الزنوج، فقد كانت إحدى تكتيكات مارتن لوثر القيام بأعمال وتحركات سلمية من المؤكد أنها ستودي بالشباب إلى السجن، وبعد ذلك العمل على جمع التبرعات لدفع كفالات الخروج.
ليس المطلوب هنا هو قراءة تفاصيل تلك الحقبة بمنحى معلوماتي بحت، بل الأهم هو الخروج بإستنتاجات أساسية ذات صلة بواقع الثورات العربية وذات صلة بالحراك الشعبي في الأردن كذلك.
ففي بلد _الولايات المتحدة الأمريكية_ التمييز العنصري فيه حقيقة وليس وهماً، نعم كان هناك تمييز واضح ضد الزنوج والنظر إليهم على أنهم عبيد، وحتى الآن تعلن بعض الدراسات ما نسبته واحد إلى ثلاثة من الزنوج تحت الحكم الجنائي! في هذا البلد لم يتوانى المضطهدين من رفع شعار "سود وبيض معاً"، والآن في الأردن ترتفع أصوات عديدة لحل إشكاليات الهويات الفرعية التي أوجدها الإستعمار أساساً من خلال بروتوكولات دستورية وقانونية معينة.

في الأردن _تقسيم لا يشبه "الأبيض والأسود"_ إلى كتلة فلسطينية وكتلة شرق أردنية، ويستند هذا التقسيم إلى مجموعة من الملاحظات التاريخية "في الوعي الجمعي"، أهمها:
·كتلة "فلسطينية" تحاول السيطرة على النظام مقابل كتلة "أردنية" معيقة ومقاومة تريد الخفاظ على وجودها، ظهرت هذه المعادلة خلال وإبان حرب أيلول، فقد كان الواقع يحمل نقيضها تماماً، الجميع في مواجهة إسرائيل، إسرائيل خطر واحد وليس خطراً مشتركاً، وكان المستفيد الأول من هذا كله والمحرك له هو السلطة السياسية.
·كتلة "أردنية" تسيطر على وظائف القطاع العام وأجهزة الأمن والجيش، وتنحية لأبناء الكتلة "الفلسطينية".
· كتلة "فلسطينية" تتوسع في القطاع الخاص ومع إنهيار القطاع العام يصبح الملاذ الوحيد لأبناء الكتلة "الأردنية".
· كتلة "فلسطينية" معزولة عن الحراك السيلسي الأردني خاصة فيما يتعلق برفع الأسعار وما شابه.
إذن نحن اليوم أمام مشكلة إجتماعية معيقة للصراع الطبقي الإجتماعي هذا هو شكلها، ومحيطها مجموعة من المشاريع السياسية كالتالي:
·مشروع يخرج من رحم المأساة ويعمل على تجييش كتلة "شرق أردنية"للوصول إلى تمثيل سياسي أقوى، وعودة للقطاع العام، ومحاربة رموز الفساد الفلسطينية دون غيرها.في هذا المشروع عمل على إعادة توزيع حصص الفساد وليس محاربته.
· مشروع يتمثل في الحركة الإسلامية يحاول الإستفادة من عزلة الكتلة الفلسطينية عن الحراك الشعبي، وتحاول الحركة في هذا السياق إستخدام هذا الخزان البشري كوسيلة ضغط عند اللزوم، وورقة إضافية تحسن من شروطها التفاوضية في الوقت اللازم.
·مشروع يتحدث عن حوار أخوي واقعي بين الكتلتين لإغلاق هذا الملف وإستكمال مشروع بناء الدولة لاحقاً "دسترة فك الإرتباط مثلاً". وفي هذا الحل شكل مثالي، فإتخاذ خطوات دستورية وقانونية غير قادر أبداً على إزالة الشعور المتمثل في الملاحظات الأولى المذكورة أعلاه، إنه حل ليس من طبيعة المسبب للمشكلة، لذلك سيعمل ذلك على خلق دوائر إضافية من الجدل والتوتر التي ستعقد المشكلة أكثر وأكثر.
إن مرحلة العمل الأساسية في الأردن اليوم هو توتير المطالبات الإجتماعية للطبقتين الوسطى والفقيرة في الشقين العام والخاص و"للونين" معاً كالتالي:
·الخاص هو الخروج من واقع المهن والحرف والنشاطات التجارية التي يمارسها العاملين في القرية والمخيم على حد سواء.
·العام هو ما يتعلق بالسياسية المالية والحمائية للدولة، تغيير النهج الضريبي، إعادة الدعم المالي للسلع الأساسية،......إلخ
دور المثقف التاريخي هو التأثير في المزاج العام وليس الهرولة خلف مشاكله من باب قراءة الواقع، فالواقع الموصوف في بداية هذا المقال، هو واقع الزنوج في أميركا، فكيف تجرأ ذلك الرجل إذن ليقول "سود وبيض معاً".
 في الأردن لا يوجد سود وبيض، يوجد إنقسام أسهل من ذلك بكثير، ينتظر خطاباً جامعاً حقيقياً ليس بحاجة أبداً إلى لوثر أردني!!