الاثنين، 17 أكتوبر 2011

إما الإشتراكية وإما الهمجية

الإشتراكية أو الهمجية، جملة كانت روزا لوكسمبرغ أشهر من تبناها، جملة تنفي خيار المنطقة الرمادية، وتنفي كذلك خيار تشذيب خيار الرأسمالية لتصبح أقل وحشية وأكثر مواءمةً للحياة والطبيعة والبشرية.
بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية ،التي مثلت التجربة العملية الحديثة الأولى، إنفرد قطب واحد في صياغة شكل العالم الجديد، وهذه الصياغة لم تقف عند حدود صياغة النظام الإقتصادي العالمي، بل توسعت كذلك لتشمل صياغة "النظام الثقافي العالمي"، أي صياغة المفاهيم لتتحول في مكان ما إلى مسلمات، يعيشها الناس وكأنها خياراً أوحداً بلا رديف أو نقيض.
لقد زرعت الرأسمالية مجموعة من المفاهيم في أذهان البشر، وحاولت تجذيرها في الوعي وكأنها مطلق، إحدى هذه المفاهيم هي تطوير القدرات البشرية.
الفقر أصل الإبداع !!
هناك شروط قبلية لتطوير القدرات البشرية ، تطوير المهارات القادرة على حمل مجتمع بأكمله، هذه الشروط تتمثل في: غذاء كاف، عناية صحية جيدة، تعليم جيد، القدرة على الإختيار، إختيار المكان المناسب للعمل وللإبداع، إختيار غير محكوم إلا للميول والرغبة، وليس لسياسات العرض والطلب.
تروج الرأسمالية إلى أن توتير الحاجة، وحتى الحاجة الأساسية هي الأساس في تطوير المهارات والقدرات الذاتية، البحث عن مزيد من المال هو المحث الأساسي للإبداع، وهنا يكمن الوهم. كيف لنا أن نطور من قدراتنا ونحن جائعون، مرضى، مأسورون لخيارات العرض والطلب لنقتل الميول والرغبة فينا لحساب أكثر المهن إدراراً للمال؟
لقد دفعت الرأسمالية بهذه الفكرة إلى أقصاها، إلى الحد الذي جذرت معه في الوعي الجمعي أن العمل ليلاً نهاراً بطولة، وسوى ذلك كسلاً وخمولاً، فتصبح نيويورك عاصمة العمل والنشاط والتطوير الدائم للقدرات، وسواها تصبح عواصم الكسل والخمول.
لم يكن الفقر والحاجة للمال يوماً أساساً للإبداع، قد تكون الحاجة أم الإختراع، ولكنها ليست الحاجة إلى المال، وليست أبداً الحاجة إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، وقائمة أسماء العلماء والفلاسفة في التاريخ تقدم دليلاً واضحاً على ذلك.
غياب التطور الحر
لطالما تغنت الرأسمالية بحفاظها على الحق الفردي، ومنح الحرية للأفراد دون التقيد بأي شكل من أشكال المشروع الجماعي، ولكنها في الواقع تعبر عن أقصى أشكال التقييد والإهانة للحرية الفردية ذاتها.
إن التطوير المطلوب للمهارات هو ذلك المتسق وسياسات العرض والطلب من جهة، والمتناغم مع مطالب رأس المال من جهة أخرى. المهارات المطلوبة هي المهارات التي تعود على "المؤسسة" بالنفع، ليس العامل من يحدد شكل النفع ولا شكل المهارة المطلوبة له، رأس المال من يفعل ذلك، ورأس المال هو من يجعل من البشر والطبيعة والوجود وسائل لهدف واحد: الربح!
إن شكل العلاقة الإنتاجية في المجتمع الرأسمالي تنحي أي فرصة في التطوير الحر للقدرات البشرية، فهناك رأس المال الباحث عن تخفيض الأجور، وزيادةساعات العمل، وتكثيف يوم العمل، وفرض أنظمة الرقابة للأداء،ورفع مستوى العمل غير المدفوع إلى أقصاه وفي الجانب الآخر، هناك العامل، المستعد لبيع قدرته على العمل، وهذا الطرف يبحث عن النقيض تماماً، تقليص ساعات العمل الإجباري، رفع الأجور، حرية البحث بما يتناسق مع الميول والرغبة "هوس المعرفة". وفي خضم هذا الصراع تضيع المتعة في العمل وتضيع الحرية في التطوير والبحث.
حرمان الخبرات الجديدة
"إن الوقت هو غرفة تطوير البشرية"، وهذا التطوير ليس أحادي البعد، هو التطوير القادر على خلق إنسان متعدد الأبعاد، يمتلك ذائقة منوعة للظواهر المختلفة التي تحيط به.
لقد تمكنت الرأسمالية ومن خلال عدة مفاهيم إلى خلق "آلات بشرية"، فمع إستلاب الوقت المتواصل لصالح العمل، بات العديد من الناس عاجز عن عمل أي شيء آخر، وهنا تكمن خطورة هذا النظام: إستلاب الذائقة !
وفي إتجاه آخر نشرت الرأسمالية مفهوم "مسار المهنة"CareerPath"، وهو الطريق المحتوم لأي عامل وبناءً على إختصاصه فقط، إنه تراكم العمل المكرر متشكلاً على هيئة خبرة، والإنتقال عن هذا المسار إلى مسار آخر في محطة ما، له ثمن باهظ، لا لشيء سوى أن عدد الآلات البشرية المدرة للأرباح نقص واحداً.
المشكلة ليست في الإستغلال، ولو كانت هذه هي المشكلة لأمكن حلها من خلال ترجيح كفة العمال على المالكين "تشريعات عمل، تقليل ساعات العمل، وبالتالي فرص عمل إضافية". ولكن رأس المال لا ينام أبداً، رأس المال لا يقبل إلا بعقد إجتماعي على مقاس الأرباح، وجهة النظر الراديكالية حيال هذا النظام واضحة وليست متطرفة، "إما لا شيء أو الكل".
لا يمكن أن تكون نهاية التاريخ كما رسمها فوكويوما، فلو كانت كذلك، فستكون حتماً نهاية الوجود، فالرأسمالية هي النقيض الصارخ للحفاظ على البيئة كما هي تماماً النقيض الصارخ لإنقاذ البشر من الجوع.
إن كنا نؤمن في الناس، إن كنا نؤمن بهدف تطوير البشرية فأمامنا خياران إثنان: إما الإشتراكية وإما الهمجية.

هناك تعليق واحد:

  1. وكأننا للاسف نسير في طريق الهمجية وقطعنا منها شوطا ليس بالقصير ، مادامت الاشتراكية ضعيفه والناس قرفوا الرأسمالية واستعبادها لهم فلم يعد هنالك خيار اخر

    ردحذف