الأحد، 5 فبراير 2012

لا حاجة للبوند في الأردن


لا حاجة للبوند في الأردن..                                                          محمد فرج

البوند هي منظمة في روسيا ضمت العديد من العمال اليهود، وتم التنسيق معها للإنضمام إلى صفوف الحزب الإشتراكي الديمقراطي في روسيا، وطالبت لاحقاً بفيدرالية تنظيمية خاصة بها بصفتها الممثل الأساسي لليهود في روسيا، أي أنها تعبر عن حزب قومي يهودي له خصوصيته التنظيمية في حزب أبى أن يسمي نفسه بالحزب الروسي، بل إستخدم "في روسيا" بديلاً عن ذلك.

كانت روسيا حاضنة لقوميات عديدة، أكثريات وأقليات، منها من كان محسوباً على النظام القيصري، ومنها من كان محسوباً على صفوف الفقراء والمظلومين. لقد كان سؤال القوميات المتعددة هو الأهم والأكبر في التحضير لثورة عام 1917م، ولإنجاحها، لأن الإجابة الخاطئة عنه كانت تعني بالضرورة حرف مسار التطور بالكامل.

كان موقف فلاديمير لينين متماسكاً وواضحاً بهذا الخصوص: "لا مجال للتراجع عن توحيد هذه الهويات في هوية واحدة: أنهم جميعاً فقراء"، ومن هنا بدأ العمل في مختلف مناطق روسيا على هذا الأساس، ورفض طلب البوند في فيدرالية تنظيمية، وإستمر العمل لكسب العمال اليهود الفقراء والمضطهدين في صفوف الحزب، وتوحيدهم مع باقي العمال من مختلف المناطق، وتم العمل على تقديم هوية الفقراء على أي شيء آخر، ولم تقدم أية تنازلات أو قرابين براغماتية في ذلك السياق، ولم يتم إنتاج خطاب يهودي خاص بالعمال اليهود لكسبهم في صفوف الثورة، فكل ذلك كان في نظر البؤرة المنظرة للحزب إنتصارات مؤقتة تجلب عقبها كوارث وخيمة.

 إعتبر لينين أن دك الملكية هي الخطوة الأولى لحل المسألة القومية في روسيا، وأن الملكية نفسها هي من تحاول دائماً إذكاء صراعات اللغة والهوية والثقافة و حتى الوطن أحياناً، إما لكي تحمي نفسها من عدو خارج حدودها، أو لكي تبقي نفسها منصورة بفئة على حساب غيرها داخل حدودها.

وعلى صعيد آخر، كانت المسألة البولونية منذ أواسط القرن التاسع عشر إحدى المسائل الحساسة، وتعددت المواقف المتشكلة تجاهها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. لم يكتف كارل ماركس آنذاك بتدعيم وجهة نظره القائلة بإستقلال بولونيا، بل ألحقها بتوضيحات كثيرة للتمييز بين موقفه وموقف البرجوازية الديمقراطية التي تؤيد إستقلال بولونيا كذلك.

عادت بولونيا لاحقاً لتكون إحدى الأسئلة التي واجهها الحزب الإشتراكي الديمقراطي في روسيا، عادت ضمن حزمة كاملة عنوانها الأساسي "حق الأمم في تقرير المصير"،  وكانت الإجابة عن ذلك واضحة جداً: إن هناك ملايين الأفكار تسبح في مدارات العقل البشري، والمواقفيون بالعادة ينتخبون منها الأهم والأقرب للسعادة البشرية لتكون بوصلة الأخرى ومركزها، وبذلك تخضع كل الأفكار في اللحظات التاريخية الحاسمة لحسابها. فكما كانت مصلحة الشعوب الثائرة في روسيا أن تضع حسابات الهوية خلفها، كانت مصالح البولونيين  في الإستقلال كذلك في أواسط القرن التاسع عشر وعلى النقيض من ذلك بعد الثورة الروسية.

يقف الحراك الشعبي الأردني أمام سؤال من ذات الطابع، إنه سؤال الهويات الفرعية التي أنشأها الإستعمار والإحتلال الصهيوني لضفة الأردن الغربية وعززها بتصدير أنماط إجتماعية وإقتصادية وسياسية على حد سواء. التحدي الأكبر هو تفتيت كل شيء قائم وبناء الجديد في الإقتصاد والإجتماع والسياسة، هنا بالضبط تظهر أهمية الخطاب السياسي للتعبير عن حاجات الناس في حقيقتها وفي ذاتها، فئات مفقرة في أطراف العاصمة والمخيمات والمحافظات، وطبقة وسطى مكتئبة ومحبطة في وسط ثقافة القطاع الخاص في مركز العاصمة.

هناك فرصة لمنع ظهور البوند في الأردن، وهناك فرصة لجعله حزب كبير، والكلمة الحسم الآن لقادة الخطاب السياسي، إما أن يختاروا الحل الأسهل ويخلقوا بونداً جديداً، وإما أن يبحثوا في ممكنات الواقع أكثر، ويتمترسوا عند مواقف مبدئية لا تراجع عنها يحمل الواقع إمكانيات تحقيقها.

الإدانة اليوم تتوجه إلى قادة الخطاب السياسي وليس إلى الناس والشعوب الثائرة، على هذا الخطاب أن يقتنص فرصة تاريخية غير حالمة في توحيد صفوف الفقراء، من المخيم والقرية على حد سواء، جميعهم معاً ضد من خصخص ثروات البلاد وإنتفع من قانون الإستثمار الجديد وحقية التصحيح الإقتصادي والتكيف الهيكلي وإنهيار الدولة و من مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة المتروكة إدارتها بالكامل للمنظمات الأمريكية بالدرجة الأولى.

ألم يكن من الأسهل للينين "الحالم" أن يضمن خطاباً خاصاً باليهود في أدبيات الحزب قبل الثورة؟ ذلك بالضبط ما رفضه حينئذ وأعلن عن أهمية تخلي اليهودي عن يهوديته في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة.

في الأردن، النجاح برسم الخطاب السياسي الأوضح والأقدر والأكثر قدرة على إعطاء النتائج الحقيقية، وهذا الخطاب لا بد له أن يخرج من أوهام الحلول الأسرع والعواقب الأوخم ومن إصطلاحات "يهود الداخل" و "أصحاب الحقوق المنقوصة" على حد سواء.

قد تكون اللغة والقومية والثقافة عناصر إنتماء، ولكنها لا توضع أبداً في معارضة العمل على تحقيق السعادة البشرية للمجموع...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق