الثلاثاء، 7 فبراير 2012

ماذا لو نجح المعلمون؟

                                                                                                                                                       محمد فرج
لا يخفى على أحد الصعود الكبير في إحتجاجات الحركات العمالية على مدار السنوات الستة الماضية في الأردن ، وعندما نقول عمالية فهذا ليس مختصرُ أبداً على أنماط  محددة من العمل، فالعامل هو كل من يقدم جهداً ما عضلياَ كان أم ذهنياَ لقاء أجر، وهذه الصيغة تنطبق على أبناء الطبقتين الفقيرة والوسطى على حد سواء.يتذكر الجميع إحتججاات عمال المياومة، وعمال الكهرباء، وعمال الموانئ، وعمال البوتاس، وعمال ملح الصافي، والأطباء، والإتصالات، والمعلمين، .....إلخ والقائمة تطول.

في حراك المعلمين وعمال المياومة على وجه التحديد، كان هناك علامة إيجابية فارقة، وهي الإستمرارية في التصعيد وضبط إيقاعه في آن واحد، هذا يعني القدرة على إختيار الفعل المناسب ضمن شروط وظروف الذاتي والموضوعي، والميل الدائم إلى التصعيد ، والرد الدائم على التهم الجاهزة من قبل السلطة مثل محاولات التخريب، وتعطيل مصالح الآخرين، وتراجع الإنتاج. فإضراب الأطباء على سبيل المثال خطا بثبات في البداية، ولكنه تعرض لاحقاً إلى إنتكاسات ذات صلة بالتحشيد والهجوم الإعلامي المضاد الذي حاول تأليب الفئات الإجتماعية الأخرى عليهم من خلال تشويه صورة ضمائرهم ( تجاهل الحالات الطارئة على سبيل المثال، مع أن ذلك لم يحصل أبداً).
والآن، المعلمون قد يكونوا معرضين لأسئلة وأفخاخ من ذات الطابع، فبعد مرور يومين على إعلان المعلمين الإضراب عن العمل، ستبدأ السلطة المتهربة من منح هذه الفئة الإجتماعية المهمة حقها، ستبدأ في تأليب الآخرين عليهم، وستحاول عرض مشهد الإضراب وكأنه معطل للعملية التعليمية، وكأنه المسبب لحرمان الطلبة من التعليم،  وقد تعامل الإعلام الرسمي مع هذه الموجة بما يتناسق مع مزاج ومصالح السلطة، فكانت العناوين العريضة متمثلة في "رغبة الأهالي للجوء للقضاء"، "عودة الطلاب إلى منازلهم أو تسكعهم في الشوارع!"، كل ذلك سيحاولون تحميل عبئه للمعلمين، ولكن هذه الحيلة معروفة تاريخياً، هي الحيلة التي تعلمتها الأنظمة العربية على يد الأنظمة الإستعمارية العالمية وعلى يد الأنظمة البرجوازية الأوروبية، ترهيب الشعوب من خطر النتائج المؤقتة التي بطبيعة الحال ستجلب عقبها النتائج الحقيقية المطلوبة، دائماً تحاول الأنظمة إخافة الشعوب من فوضى قادمة تعكر صفو رتابة النمط السيء للحياة، وتعكر صفو "الأمن والأمان" ليصبج الجوع أكثر أماناً ليس إلا!

فليتوقف التعليم شهر إضافي من الزمان ليجلب وراءه معلمين واثقين غير محبطين ومطمئنين لحياتهم وبالتالي قادرين على منح المزيد للأجيال القادمة. نعم، لحظة مجمدة من التاريخ ويليها الخير كله، فلتكن كذلك أو لا تكون!
من أساء للعملية التعليمية هي السلطة، عندما أدخلت كل زناة الليل ليعبثوا ويتلاعبوا في ثقافتنا ومناهجنا وتعليمنا، لا لشيء سوى لضمان جيل إضافي من التبعية وإنعدام القدرة الذاتية، والمعلمون اليوم هم من يحاول تصحيح كل ذلك من خلال عقد إجتماعي جديد في حزمة واحدة، الرواتب والمناهج والحقوق. المعلمون اليوم يخوضون معركة متعددة الجبهات من تعنت السلطة في تلبية مطالبهم المحقة إلى التجييش الإعلامي ضدهم إلى التلاعب بمشاعر الناس خوفاً من "الفوضى" ، وفي هذه الحالة التجييش المضاد والإيجابي من قبل المعلمين مهم، هذه هي بالضبط المرحلة التي يطالب بها مجموع كبير بتغيير جذري حاسم للعملية التربوية برمتها وتقابله السلطة التي تحاول اللعب على الجزئيات التفصيلية لتمويه الحقائق واللعب على الوقت والنتائج المؤقتة.

سيخرج المسؤولون من كل جهة يطالبون المعلمين بإيقاف الإضراب كي لا "يظلم" الطلبة و"يحرموا" من حقهم في التعليم. ولكن الظلم الحقيقي، والظلم الإستراتيجي طويل الأمد هو من إنتاج السلطة وليس من إنتاج المعلمين، تأتّى هذا الظلم من خلال المناهج وحرمان المعلمين والطلبة كذلك من حقوقهم التي تحتاج إلى تخصيص مالي قد يكون الأهم في البلاد. إن "الظلم" المؤقت هو بوابة العدالة الشامة والجذرية بمنحى راديكالي خالص، المعلمون بإضرابهم لا يبحثون عن نتائج اليوم والغد القريب، هم يبحثون عن الحلول الشاملة والنهائية، ولذلك تحمُّل "الفوضى" المؤقتة هو في صالح الطلبة والمعلمين على حد سواء، ولكنه ليس في صالح السلطة بطبيعة الحال.
في إضراب الأطباء، سار المجموع بخطىً واسعة و متسارعة، وكان عنصر الصبر حاضراً، كان المطلوب هو صبر الساعة الأخيرة، الأهم والأخطر والأكثر جدوى، الضربة الأخيرة لجدران الخزان لتحمل معها نتائج الضربات السابقة، والتي ستوصل التناقضات إلى قمة التعقيد وهي بالضرورة النقطة الأقرب إلى الحل، وبالتالي تصعيد المعلمين أكثر وأكثر في إضرابهم مع الإجراءات التجييشية المطلوبة هو الحل.
نجاح إضراب المعلمين، لا يعني إنجازاً للمعلمين والطلبة فقط، هو إنجازُ للطبقة العاملة الأردنية بأكملها، هذا النجاح سيفتح الباب أمام باقي فئات الإحتجاج الإجتماعي لتنظم نفسها أكثر وتؤمن أكثر بجدوى العمل الجماعي وقدرته على إنتزاع حقوق الناس سياسياً وإقصادياً وإجتماعياً، هذا النجاح سيرفع منسوب الثقة عند الجميع أن الأساس في هو الطبقة العاملة، هي التي تخطط وهي التي تقرر...

هناك تعليق واحد:

  1. صديقى العزيز تحياتى لك ولرساتك التى تجتهد فى سبيلها كثيرا وانا اعلم جيدا قدر ايمانك بفكرتك واخلاصك لها لكن هناك قضية ربما لو نظرت اليها لوجدت ان فى اضرابات عمالنا وفئات المجحتع لدينا هى تحمل فى طياتها عوامل هدمها ذلك لان دوافعها بالكامل ماديه وليست فكرية وهى بذلك تحدد سعرها ومستعده للتفاوض حولة لذلك الرشوة تكون مجديه معهم اما انت فتدعوا الى فكرة مفادها ان اتمسك بكل ما اريد من الفكرة وان لا انحنى امام عطاء وقتى مفاده فقط ان اتزحزح من مكانى فى المعركه وان يحتل الراشى مكانى ثم يعاود ليسترد ما اعطانيه اضعافا من ما هو مادى وما هو معنوى لذلك انا مشفغق عليك من الاحباطات التى قد تواجهك جراء الوقوف بجانب هذه الاحتجاجات التى تراها انت احياء لفكرة ويراها منفذوها طلبا للمعونه وللشوة(ابو عمرو)

    ردحذف