الخميس، 7 يونيو 2012

ثورة الطلبة والثورة الشاملة

مارك كورلانسكي هو كاتب أمريكي معادي للماركسية، ألف كتاباً بعنوان "السنة التي هزت العالم"، يتحدث فيه عن ثورة الطلبة في فرنسا، ويحاول أن يقدم مجموعة من الأحداث التاريخية المتعلقة بهذه الثورة، ويستند إليها في الوصول في الأغلب إلى إستنتاجات خاطئة.
ما يهمنا  ليس الكتاب بحد ذاته، ولكن التوقف عند إنتفاضة الطلبة في فرنسا عام 1968، كيف إنطلقت ، وما هي الشعارات والمطالب الأساسية لها، وإلى أين إنتهت؟ هل نجحت أم فشلت؟ ماذا يمكن لنا أن نستفيد من هذه الالإنتفاضة التي لم تتحول عملياً إلى ثورة بالمعنى العميق للكلمة؟
كانت تعيش فرنسا حتى عام 1968 وضعاً مركباً ، تتشابك فيه مجموعة من المسائل الداخلية والخارجية:
o      الخروج من حقبة الحرب العالمية الثانية بتراجع كبير على سلم القوى العظمى في العالم.
o      العلاقة مع الغرب الإستعماري "الناتو" وبصفة فرنسا جزء منه، ومن ذلك مشاركتها في الهزيمة في معركة "ديان بيان فو" أمام المقاتلين الفيتناميين.
o      كان عقد الخمسينيات و الستينيات بالنسبة لفرنسا هو عقد "الإستقلال" للعديد من الدول التي وقعت تحت الإستعمار الفرنسي، تونس والجزائر والمغرب.
o      وعلى الصعيد الداخلي مجيء حكومة ديغول، بصيغة تفاهم لاحقة كذلك مع الحزب الشيوعي الفرنسي.
الرواية التاريخية القائلة أن التحرك بدأ من الطلاب صحيحة. وكان الإنتقال من نقد الجامعة وبرامجها إلى نقد للمجتمع برمته، كان من الواضح لدى الطلبة الفرنسيين أن المشكلة لا يمكن أن تتجزأ بذاك المنحى الهزلي، لا يمكن أن تكون المشكلة هي مشكلة جامعة أو مؤسسة تعليمية، لا بد أن تكون أبعد من ذلك بكثير. لقد دخلت المجموعات الطلابية في حوارات عميقة خلال خلال هذه الإنتفاضة، تناقشت في ماركس وإنجلس وماو وجيفارا وستالين وتروتسكي و ماركوز وغي ديبور وليوتار. نزل فوكو إلى الشوارع، و وزع سارتر المنشورات في شوارع باريس وتم إعتقاله قبل أن يأمر ديغول بإطلاق سراحه، أحرق الطلاب مسرح جامعة السوربون الذي يقدم فناً هزيلاً وأعلنوا عن لجنة لإحتلال الجامعة بأكملها، أحرق الطلبة صور كل من يقدم أدباً رديئاً أو موسيقى سلعية، تم التنسيق مع العمال على مستويات عالية و إعلان المجالس العمالية. من جملة الشعارات التي رفعتها الإنتفاضة عام 1968م:
o      منع الممنوع.
o      شنق البيروقراطي الأخير بأمعاء آخر برجوازي.
o      نحن هيئة أركان بلا جنود.
o      لا تعطي حريتي سأتولى الأمر بنفسي.
o      إحتلال المصانع.
o      إلغاء مجتمع الطبقات.
o      السلطة لمجالس العمال.
o      إنهاء التسليع والتشيؤ والإستلاب والإغتراب، بمعنى آخر إنهاء حقبة الرأسمالية.
يقول عامل فرنسي تعليقاً على ما جرى في ثورة 1968م: "لقد طالبت بأجور أعلى، وهكذا فعل والدي من قبلي، والآن لدي سيارة وثلاجة وتلفاز وسيارة فولكس فاجن، ولكن لو سألتني لقلت لك أنها حياة كلب من البداية حتى النهاية"، هذه هي عناصر الإستلاب والتشيؤ التي تعرضت لها إنتفاضة مايو بكل وضوح.
للأسف، لم تكتمل هذه الإنتفاضة، ولم تتحول إلى ثورة، وبعد حالة الهدوء التي لحقت بكل ما حدث، تم إنتاج سلطة ديغولية مرة أخرى. لقد كانت إنتفاضة كلانية على كل ظواهر المجتمع، جمعت بين الظاهرة والسبب في وصف واحد، وحاربت كل الجبهات المعادية دفعة واحدة.  كانت محاولة لثورة شاملة وبحزمة واحدة. ولكن لماذا لم تتكلل هذه المحاولة بالنجاح:
o      إنتفاضة 1968، محاولة ثورية راقية، ولكنها لم تكن راهنة، بمعنى أن الواقع لم يحملها، وممكنات الواقع لم تستوعب مطالبها. ربما أنها اليوم أصبحت راهنة أو إقتربت من ذلك، ربما أن خطاب العمال والإستلاب والتشيؤ والإغتراب ومحاربة الفن الهزيل إقتربت من إمكانية التعبير في حزمة واحدة.
o      ما زالت الحاجة للعمل المنظم قائمة، أي الحاجة للتنظيم السياسي، للحزب الطبقي الواعي المنظم للصفوف، لم تفلح محاولة هيئة أركان بلا جنود في فرنسا ولن تفلح الآن حتى، فالتنظيم السياسي ما زال مطلوباً وما زال راهناً.
الحديث عن الثورة الشاملة الآن بات راهناً، ولكن كيف نبدأ به، وكيف نصيغه، من هنا تبدأ الأسئلة الكبرى.


هناك تعليق واحد:

  1. قد لا أسميها ثورة بالمعنى الذي انتقده المفكر الفرنسي اليميني القدبر "ريمون آرون" ... بل "انتفاضة". وهذا ليس تقليلا من شأنها على الاطلاق. بل أنها أعلى قدرا، في أهدافها على الأقل، من الثورة التي قادتها البرجوازية سنة 1789

    لا أعدها ثورة اذ لم تكن لها نتائج سياسية تستحق الذكر. أما أبعادها الاجتماعية والثقافية فلم يرى التاريخ، في رأيي، لها مثيلا. يكفي القاء نظرة الى المجتمع الفرنسي, مسرحه, مفكريه, وسينماه في فترة الستينيات.

    هذا ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الانتفاضة الشبابية لم تقتصر على عرنسا وحدها.. فشرارتها الأولى انطلقت من المجر لتعم دول أوروبا الغربية فالولايات المتحدة. وكانت أهدافها سامية على صعيد توحد حركات اليسار العالمي: تظاهرات في عواصم العالم ضد حرب الفيتنام, اعتصامات ضد الرأسمالية والامبريالية, نشوء حركات تحررية كالنمور السوداء الأمريكية والزنوجة في افريقيا والكاريبي, الخ.

    ظاهرة1968 قد لا تتكرر للأسف بسبب صعود اليمين المتطرف في اوروبا والعالم العربي وتشتت اليسار العالمي والمحلي. ومن هنا يجدر بي أن أنهي تعليقي بحقيقتين: أولاهما أن اليسار عاش أفضل أيامه في تلك السنوات <قارن الحظوظ الانتخابية للحزب الشيوعي الايطالي في تلك الفترة وحال حظوظها الآن< وثانيها أن الأمل الوحيد المعقود على اليسار قد نجده في امريكا اللاتينية.

    شكرا جزيلا على المقال الجميل

    محمود خليل

    ردحذف