الخميس، 7 يونيو 2012

فريدريك هايك والطريق إلى الرق

أنتجت الرأسمالية مجموعة من المنظرين لأفكارها، وأقول المنظرين وليس المفكرين أو الفلاسفة، فمن خلال النظر البسيط إلى النتائج، نرى اليوم أن كارل وماركس وحتى لينين يوضعان في سياق الفلاسفة والمفكرين، فكلاهما يحمل مادة دسمة من الأفكار والتجارب والإستنتاجات الفلسفية المتقاطعة مع ما هو إجتماعي وإقتصادي وعلمي طبيعي كذلك. لم يكن هذا حال آدم سميث أو ميلتون فريدمان أو فريدريك هايك، وما زالت هذه الأسماء في الوعي الشعبي الجمعي، أسماءً مجهولة ولا تحمل الدسم في وجباتها النظرية الخفيفة.
فريدريك هايك هو منظر نمساوي للأفكار الرأسمالية، ولد عام 1899 وتوفي عام 1992. روج هايك للأفكار الرأسمالية المبنية على السوق الحر بإعتباره الأساس للحرية الإنسانية وعلى النقيض من الإشتراكية المعتمدة على التخطيط المركزي معتبراً إياها نموذجاً قمعياً ديكتاتورياً مقيداً للحرية.
إحدى هذه الأفكار روجها من خلال كتابه المنشور عام 1945، "الطريق إلى الرق"، ويعتبر أن الإشتراكية هي العبودية، وهي النظام المقيد للحرية، كانت هذه الفكرة أو ذاك العنوان "التخطيط والسلطة"
التخطيط والسلطة
يعتبر هايك أن الديمقراطية عائق أمام الإشتراكية في قمعها للحرية، ويعتبر أن هذا القمع متطلب أساسي للإقتصاد الموجه، و أن التخطيط ينتج أعتى سلطة في التاريخ وأكثرها وحشية، وأن هذه السلطة ما دامت في يد جهة واحدة "الحزب" فبالتالي هي سلطة عظمى،فسلطة مكتب التخطيط المركزي أعظم من السلطة التي تمارسها المكاتب الخاصة للمدراء.
يستطرد هايك في شرحه "إن أي عامل غير ماهر مهما كان قليل الأجر يتمتع بحرية التصرف في حياته وتصريف أموره أكثر بكثير من العديد من أرباب العمل، وأكثر بكثير من المهندس أو المدير في روسيا"، ويؤكد أن العامل في أميركا أو بريطانيا إذا أراد أن يغير مكان عمله أو إقامته أو أن يحترف مهنة أخرى فلن يواجهه حينها أية عقبات، والسبب الأساسي في ذلك، والذي يجعلنا نقرر ما نفعل بملء إرادتنا هو السيطرة المتعددة والمقسمة لوسائل الإنتاج على العديد من الأفراد الذين يتصرفون بشكل مستقل.
يعتبر هايك أن الجدل الليبرالي لا يدعو إلى ترك الأشياء كما هي عليه، بل يدعو إلى أفضل إستخدام ممكن للتنافس في سبيل تنسيق الجهود البشرية، ومن أجل جعل التنافس يعمل بشكل مفيد لا بد من وجود إطار شرعي معد بعناية، وهذا الإطار هو التدخل الحكومي البسيط المتمثل في تحديد ساعات العمل، والترتيبات الصحية اللازمة، وبالتالي هو يتحدث عن تخطيط للمنافسة وليس تخطيط ضد المنافسة.
في نقد الأفكار
o      تمتلك الإشتراكية ديمقراطيتها الخاصة، الأرقى والأشمل والأدق تعبيراً، وهذه الديمقراطية هي ديكتاتورية البروليتاريا، وهذا التعبير الذي يرفضه اليوم حتى أهل اليسار الجدد ما زال راهناً، راهناً جداً، إنها السلطة التي يمتلكها الأغلبية العظمى من الشعب "العمال" على النقيض من الديمقراطية البرجوازية وإنتخابات رأس المال التي لا تمثل إلا الأقليات الإحتكارية.
o      إعتمد هايك ومعظم منظري الرأسمالية على مقدمة مفادها الحرية الإقتصادية، وأن هذه الحرية الإقتصادية هي الأساس، وحين تضيع لا معنى للحديث عن حريات أخرى. إن الحرية الإقتصادية هي بالضرورة أعلى أشكال القمع للبشرية، فلهذه الحرية مجموعة من المحددات، مجموعة من الأساسات، لا تمتلكها إلا الأقلية، الأقلية وحدها القادرة أن تكون حرة إقتصادياً بمعنى الكلمة، حرة وبلا حسابات، وبلا قلق الخسائر، وبلا داعي حتى لدراسة أدبيات رأسمالية إضافية من شاكلة "إدارة المخاطر"، إذن هذه الحرية هي القمع في قمته وليست العكس.
o      الديمقراطية بطبعتها الليبرالية تمكن الرأسمالية من تنفيذ المزيد من الهيمنة والقمع، وتساعد كذلك في خلق دوائر من الشحن والتفريغ الشعبي، الأمر الذي الذي يمكنها من الخروج من أزماتها المتكررة، ولكن إلى متى؟
o      منذ عصر الثورات البرجوازية على الإقطاع، وهذه الطبقة تروج لفكرة الحرية القائمة على القدرة في إختيار السيد، وإستمرت في ترويج هذه الفكرة في عصر الرأسمال التجاري والصناعي والتكنولوجي كذلك. تحاول هذه الطبقة أن تظهر وكأنها متفرقة، لا يجمعها رابط، تحاول التعبير عن نفسها وكأنها أكثر من خيار، وأكثر من حل، ولكنها في التهاية طبقة واحدة، ومصالحها واحدة، ونمط الحياة معها نمط واحد. إن السلطة القمعية هي التي تمارس هذا الشكل من السيطرة الصامتة أحياناً، وليست تلك التي تعبر عن نفسها ومشروعها بشكل واضح.
o      لا يوجد هناك حرية فردية  في الرأسمالية في إختيار العمل، وتغيير المهنة وما إلى ذلك. وهنا أتحدث عن الأغلبية، فاختيار العمل، وتغيير المهنة كلها مرهونة لحساب العرض والطلب والدخول، لن يتمكن الإنسان من تغيير مهنته بسهولة، وهناك ما أطلقت عليه الرأسمالية مسار العمل "Career Path"، وتغيير هذا المسار له ضريبته العالية من تراجع للدخل والقدرة على العيش؟، ومن هنا فهذا خيار لا يقدر عليه سوى الأقلية، أقلية الحرية الإقتصادية.
o      هل التخطيط للنشاط الإقتصادي حتمي؟ نعم بالتأكيد هو كذلك، شكل التخطيط المطلوب اليوم للبشرية هو التخطيط المركزي، التخطيط الإشتراكي، القادر على حماية البشر من الموت جوعاً لحساب الأقلية، وفي ذات الوقت القادر على حماية الطبيعة من المزيد من التلوث، وحمايتنا من الإنقراض بمقدمات علمية واضحة. الرأسمالية نفسها والتي تروج للحرية الإقتصادية تعجز ولا ترغب أن تخلق مجتمعاً كذلك، فالنشاط الإقتصادي الذي تمارسه هو نشاط مركزي ولكن لصالح من؟ ما نريد فعله هو أن يكون النشاط والتوجيه الإقتصادي مركزياً ولكن لصالح طبقة أخرى هذه المرة، نريد أن عكس مسميات الحرية ونغير أصحابها من الأقلية المطلقة إلى الأغلبية المطلقة.
من الملفت للإنتباه أن مؤلفات الرأسمالية لم تلقى رواجاً عند الشعوب، ولكنها وجدت لها مكاناَ في أوساط النخب المخملية وفي دوائر الحكم "رجال الأعمال السياسيين" (مركز التوجيه الإقتصادي)، لم يكن هذا حال كتيب صغير بحجم "البيان الشيوعي" الذي ما زال يطارد الرأسماليين في كل مكان. من الثورة الصناعية إلى الثورة التكنولوجية الدقيقة، ما زال هذا البيان راهناً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق