الجمعة، 9 سبتمبر 2011

الناتو في عيون الثورات العربية

للثورة معنىً فلسفياً وعملياً محدداً، أن يسقط النظام الإقتصادي السياسي الإجتماعي القائم ويحل بديلاً عنه نظاماً جديداً له عناصره الجديدة التي تتحرك داخلياً بشكل مختلف تماماً.هذه هي المعادلة التي يجب أن تبقى حاضرة في الأذهان مع الإحتفاظ بأهمية التفاصيل التكتيكية، التفاصيل التي تقود فقط إلى الناتج النهائي "نظام إقتصادي سياسي إجتماعي جديد يتخطى سابقه".
لقد كان العراق سابقاً قوة وازنة في المنطقة، ولا داعي هنا للحديث عن مظاهر ذلك الحضور الوازن، كان نظام البعث وازناً، وكان أيضاً دكتاتورياً (مع العلم أن الديمقراطية حتى اللحظة لم تتجاوز تعريف "ديكتاتورية طبقة")، الآن العراق قسم وتشرذم و وعاد عقوداً عديدة إلى الوراء وعليه تسديد فواتير الحرب مضاعفة بالكامل.
المشهد في ليبيا وسوريا لا يختلف إلا من ناحية مبرر الإستهداف المعلن والشكل الحاضن له، فالهجوم على العراق كان تحت ذريعة إنقاذ شعب من ديكتاتورية لم يثر عليها ومنحه "الديمقراطية"و"الحرية"، كانت مبادرة إستعمارية بالأساس هدفها الإستيلاء على ثروات العراق، وفتح سوق جديدة فيه تتناغم مع متطلبات الإستثمار، وإعادة ترتيب شكل المنطقة بما يتناسب مع مصالح الإحتكارات.وفي سوريا وليبيا تعطى الحالة شكلاً آخر، الشعب يثور حقاً، ونظراً لعجز الأطراف الخارجية عن منع إندلاع الثورات بالأساس يتم إستكمال المشروع من هذه النقطة، الأنظمة تدافع عن وجودها وتقمع، تتربص الأطراف الخارجية إنفجاراً إعلامياً يتصاعد في الشعارات إلى حد طلب النجدة و "الحماية الدولية"، وعندها تتم مقاربة الصورة العراقية !
خطوات ومشاهد الناتو وما بعده كثيرة، يمكن ذكر الآتي منها:
· يقوم الطيران بإستخدام وتجريب أحدث أنواع التقنيات العسكرية لتدمير البنى التحتية من مبان ومنشآت     ومصانع ومستشفيات ... إلخ خاصةً إذا كان النظام القائم كان قد أنجز قدراً لا بأس فيه في هذا السياق، ويمكن مراجعة الأهداف الأولى التي أصابها الإحتلال في العراق.
·       في سياق الهجمة العسكرية يؤتى بوجوه "معارضة" هي القائدة لمجلس إنتقالي قادم وغالباً ما ينتهي دورها السياسي على تخوم مرحلة "الإنتقالي".
·       بعد إنهاء العمليات العسكرية وتدمير ما أمكن تدميره، يصبح المجلس الإنتقالي واقعاً، تفرح الناس وتغني في الشوارع لسقوط الإستبداد، ويتم الإعلان عن عراق جديد، أو ليبيا جديدة، ولربما سوريا جديدة.
·       قد يتم تقسيم البلد بحجة الحرص الحساس على مصالح الأقليات وحقهم في "تقرير المصير"، ويتشكل في هذه الحالة أكثر من مجلس إنتقالي أو مجلس إنتقالي كبير!
·       يتفق القاتل مع أعوانه بتسديد الفاتورة كاملة، والحساب كبير جداً يتحول إلى مديونية: ثمن القنابل والصواريخ، ثمن الرصاص، بدل تأمين حياة الجنود القتلى، رواتب الطيارين والمشاة خلال الحملة، وقود الطائرات، وبدل "يدمقراطية" كذلك. وهكذا يصبح إنتاج النفط لعامين، لثلاثة، لعشرة، مكرس لتسديد فاتورة الحرب و"الحرية".
·       بعد تدمير البنية التحتية بالكامل، تصبح الحاجة ملحة لإعادة بناءها، فالطرقات وشبكات المياه والصرف الصحي بحاجة إلى إعادة بناء، وأبراج الإتصالات كذلك، وشركات التأمين تجد سوقاً جديدة في حالات عدم الإستقرار،  وتتصارع شركات الناتو "حامية الحريات" لتبني تلك العطاءات، ويتحول الناس إلى عبيد عند هؤلاء، ويزدهر ربيع الديمقراطيات العربي.
قد يقول قائل، هذا دفاع مبطن عن أنظمة بالية، ولا بد من التخلص منها بأي ثمن كان. الحقيقة أن هذه الفكرة والتي تجد رواجاً ليس بالقليل في الأوساط الشعبية والثقافية كذلك، بحاجة إلى مراجعة تصل حد الهدم في نهاية المطاف، إنها فكرة قاتلة تبقينا في عصر الإستعمار الذي لم نتخلص منه بعد على أية حال،  للناتو وللإحتكارات مصالحها والتي لن تقود إلا إلى تقسيم و/أو المجيء بنظام أسوأ أو إعادة إنتاج نفس النظام في أحسن الأحوال.
في اللحظة التي تطل فيها رؤوس طائرات الناتو يجب أن توجه البنادق صوبها، وبالمناسبة هذه هي الخطوة الأولى في إسقاط "النظام"، فإن كانت الشعوب عاجزة عن إسقاط "الأنظمة" بلا ناتو، فكيف لها أن تسقط الناتو لاحقا بلا "نظام" ً؟؟؟  



هناك تعليقان (2):

  1. تحليل ممتاز وواضح ياريت يفهمه الكثيرين ممن يطبلون ويرقصون على انغام حلف الناتو

    ردحذف
  2. المقال يتحدث عن رفض التدخل الخارجي، وهذا متفق عليه، لكنه لم يتحدث عن الموقف من ما يجري قبل ودون التدخل الخارجي.. هل تغيير الأنظمة يستلزم الإحتلال؟ وبالتالي على الشعوب أن لا تخرج على أنظمتها؟

    المقال يتحدث عن تدخل الناتو كأمر محتوم وبيد الشعوب الثائرة، وليس كنتيجة لممارسات السلطة التي تسمح وتمهد الطريق للتدخلات الخارجية. يجب توجبه اللوم والضغط للنظم المسؤولة بدموتها عن كل ما جرى ويجري وعن التدخل الخارجي بدلا من توجيهه للشعوب التي إنتفضت ولن تهدأ دون تحقيق هدفها.

    تشبيه إحتلال العراق بثورة الشعب الليبي لا يجوز، هناك تشابه شكلي إلى حد ما، لكن الإختلافات الداخلية بين الأمرين عميقة.

    بالنسبة للسؤال الأخير.. الشعوب ترفع السلاح في مواجهة أعداء الامة، بينما لا ترغب في رفعه في مواجهة الأنظمة.. أما الأنظمة، فترفع السلاح في وجه شعوبها، ولا ترفعه في وجه أعدائها..

    ردحذف