السبت، 13 أغسطس 2011

إستيراد رقص التعري

عندما يتمكن مركز واحد في العالم من صياغة منظومته الإقتصادية، فهو في ذات الوقت يتمكن من إجتياز مراحل هامة في صياغة نظامه الإجتماعي، فتصبح الثقافة الجمعية ذات طابع كوني، وينقسم العالم إلى مصدر للسلع ومستهلك لها، مصدر للثقافة ومستورد لها، وتبدأ خصوصيات الشعوب في الإنحسار، وهذا تحديداً ما فعلته حقبة العولمة الرأسمالية بعولمة الثقافة كذلك، وإستثمار خصوصيات الشعوب وتراثها لغايات الإستهلاك السياحي والتصوير "الثوب الكشميري في الباكستان، الحارات القديمة في سوريا، وجبة المنسف في الأردن، وتخزين القات في اليمن، والأهرامات في مصر ...إلخ". وهذا بحد ذاته يشكل التصور الأول لزيف الحرية الإجتماعية في دول الأطراف تحديداً كملازم لزيفها إقتصادياً. يتناول الأدب الليبرالي والليبريتاري التركيبة الإقتصادية الإجتماعية للمجتمعات المستهلكة كسلة متكاملة "إذا أردت إستيراد التكنولوجيا فعليك أن تقبل بإستيراد رقص التعري"، وهذا ما حدث في حقبة العولمة الرأسمالية التي جرت معها تداخلات بين إستيراد الإقتصادي والإجتماعي .
في النظام القائم يتم تقسيم الحرية الإجتماعية إلى أصناف تأخذ كل منها مساراً منفصلاً، ويتم الحديث عن كل منها كمشروع "نضالي" مستقل بذاته: تحرر المرأة، وحرية التعبير عن الرأي، وحقوق الإنسان، وحرية العمل السياسي والتنظيم النقابي، والحرية الجنسية، والحرية الدينية. وبهذا تصبح مسألة الحرية مجزوءة، وقابلة أكثر للتفاوض، وقابلة أكثر للتزييف، وقابلة أكثر لتهرب السلطة من "منحها"كاملةً، وتصبح معزولة عن باقي أركان الحياة من الإقتصادي إلى السياسي، وتصبح غير ملموسة إلى الحد الذي تتوه معه التعريفات الحقيقية لها. تناول فانيجيم ( أحد أعلام الأممية المواقفية التي كان لها دوراً كبيراً في ثورة الطلبة في فرنسا عام 1968) تقسيمات الحرية الكاريكاتورية للسلطة " تحث السلطة كل واحد منا أن يكون مع أو ضد بريجيت باردو "وهناك 1000بريجيت اليوم"، مع أو ضد سيارة الستروين، مع أو ضد الأمم المتحدة،...... والقائمة تطول" يسأل الجميع عن رأيهم في "التفاصيل" من أجل منعهم من التفكير في المجموع .
"قل ما تشاء وسنفعل نحن ما نريد" هذا هو الشكل المتاح في تقسيمات الحرية للتعبير عن الرأي اليوم، تستطيع أن تنتقد من تشاء من رموز السلطة، لا لشيء سوى لأنه قابل للتعويض والمنظومة ستبقى وسيبقى الكلام كلاماً، أمريكا ما زالت على حالها بعد أوباما، ونهج الخصخصة بقي قائماً في الأردن بعد رحيل عوض الله، والخليج بقي خليجاً حتى مع إنقلابات الآباء على الأبناء، والعراق بقي محتلاً في المسافة الفاصلة بين علاوي والمالكي.يسمع صوت "التعبير عن الرأي" في حدود تاريخية فاصلة مختلفة تماماً تشبه الخطوات الأولى للثورات العربية الشعبية التي نراها اليوم.
أما فيما يتعلق بالحرية الجنسية على قياس وصفة المنظومة الرأسمالية، فلا بد هنا من إستحضار إسمين:هربرت ماركوز مؤلف العمل المهم "الإنسان ذو البعد الواحد"، وفريدريك إنجلس "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة".تحرير الطاقة الجنسية على نحو مقزز اليوم ما هو إلا عامل مهم في دورات الشحن والتفريغ للكل المجتمعي، هذا الكل المعاني من أقسى أشكال الإضطهاد والإستلاب "القانون الأعمى والكاريكاتوري في فلسفة الحق، ساعات العمل الطويلة، توتر البحث عن الضمانات الإجتماعية الأساسية،....." لذلك جاء هذا التحرير للطاقة في أقصى أشكال التوتر والهروب، ولولا وجوده لربما إنفجر الضغط في مكانه الصحيح بموجب الشعور بالتعاسة والضيق اللازمين! أما فيما يتعلق بإنجلس وأصل العائلة فتناول التدرج التاريخي لأشكال العلاقات "الأسرة، الجنس،..."بالإستناد إلى تطور أنماط الإنتاج المتبعة تاريخياً في المجتمعات إبتداءاً بالمشاعية البدائية إلى الإقطاع إلى الرأسمالية، من المجتمعات المطريركية إلى تلك البطريركية.لن تتمكن البشرية من معايشة "الحب الجنسي الفردي" و ستبقى حالات "الهيتيرية" قائمة، ما لم يصبح عنصر الإختيار حراً، بعيداً عن عنصر المال وتقديم الضمانات الإجتماعية اللازمة من الرجل للمرأة أو العكس، ولكي يصبح عنصر الإختيار حراً هناك معركة متصلة لا بد من خوضها في شقيها الإقتصادي والإجتماعي ، تحيد المنفعة عن وعي الإختيار ليولد طرفين، بندية وحرية حقيقية.
وفي "تحرر المرأة"يتم تناول المسألة كبند خاص في إحدى فصول الحرية، وتوزع الملصقات إستجداءً للرحمة"وتصدح البرامج التلفزيونية والإذاعية مناجية أصحاب العمل بفرص عمل نسوية، وتتأسس تنظيمات حماية الأسرة لكف أيدي الضرب الذكورية عنهن، وتنطلق البرامج الداعية ل"خرط" المرأة في المجتمع. كل هذا وليس هناك من مجيب! وألكساندرا كولونتاي ملكت الإجابة في محاضراتها التسع عندما تعرضت لواقع المرأة في المجتمعات الزراعية وواقعها في عصر الرأسمالية.
وفي الحرية الدينية ينتقل الحق من العام إلى الخاص وبالعكس، ويصبح هناك دين "متنور" وآخر "ظلامي" ليتسنى تنويع سبل المواجهة، فلهؤلاء المتنورين كل القبول والإحترام طالما أن هذا الدين لم يؤخذ كسلة متكاملة و لطالما أنهم قبلوا بدخول اللعبة تحت شعار المقدس، ولهؤلاء "الظلاميين"المطالبين بتطبيق المنظومة كاملة فلهم القتل والتعذيب وبذلك ترتفع رصائد المعذبين حراس الحرية الجدد.
لقد قسمت الرأسمالية الحرية إلى أصناف عديدة، وفتحت الباب "للنضال"في سبيل إنتزاعها جميعاً كل على حدا.الحرية اليوم هي إحدى الأسئلة القاسية لهذا العصر المزيف، ولن ترى النور بثورات مبعثرة فهي ما زالت تنتظر "ثورة شاملة".0       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق