السبت، 13 أغسطس 2011

خطاب الزعيم العربي تجميل القمع والبحث عن قفاز قذر

في ربيع الثورات العربية كان ظهور الزعماء العرب على وسائل الإعلام مكثفاً بموجب ضرورة التناسق مع الحدث من جهة، وإحتواء الغضب الشعبي من جهة أخرى. تباين الخطاب على مستوى اللغة من زعيم إلى آخر، ولكن بين المحتوى والفعل على الأرض كان هناك قواسم مشتركة واضحة جداً أكدت تناسق الدور الذي تلعبه هذه الأنظمة. من المهم اليوم الوقوف على هذه المساحة الواحدة، والتي تشكل موقفاً صوب هذه الأنظمة التي تتشارك في خطابها وأدوارها الوظيفية وتبعيتها المفرطة وعدم رغبتها - وليس قدرتها -على إحداث أي تغيير أو "إصلاح".
التمثيل الإستعراضي للطبقة على شكل فئة
إتبعت الأنظمة العربية سياسيات تفريقية متعددة كانت محصلتها النهائية أن تتمثل الطبقة المظطهدة والمفقرة إستعراضياً في الدول العربية على شكل فئة، وفي المقابل يتم تشكيل الفئة "النقيضة" على أنها محببة لدى النظام ومدللة، مستعدة لإستقبال العطايا والإمتيازات على حساب الفئة الأخرى. بمعنى أن يتم مقابلة السنة للشيعة في البحرين، ومقابلة العلويين لسواهم في سوريا، ومقابلة الطرابلسيين لسواهم في ليبيا، ومقابلة قبائل محددة لسواها في اليمن، ومقابلة "الشرق أردنيين" "للفلسطينيين" في الأردن، ومقابلة الأمازيغ لسواهم في المغرب. تمكنت هذه الأنظمة ومن خلال وسائل شكلية من زرع وعي ما في ذهن "الفئة المقربة للبلاط"، ولكن دون حتى أن تقدم حلاً حقيقياً لفقرها هي ذاتها، ولكن مجموعة من المشاهد الإستثنائية تمكنت من زرع شعور الأفضلية لها من جهة، وشعور الخوف من الفئة "المتربصة" من جهة أخرى. لم يكن غريباً ذلك أبداً على هذه الأنظمة، فهي المنسحبة من دورها الإجتماعي بحدوده الدنيا، والمنسحبة من كل شيء، تبنت دور الضابط الأمني، والحكم والفصل بين الفئات المتقابلة، وقالت للفئات "المستفيدة": إن غبنا نحن ستموتون أنتم، إنه تشجيع صريح لأشكال الجوع الآمن لهذه الفئات، القبول بالجوع ووهم الأفضلية لحساب "الموت" القادم من الفئات المتربصة. مَن من الزعماء العرب لم يتحدث عن الفوضى القادمة وأخطارها، وأن مايحدث من معارضة ما هو إلا نهب للمتلكات العامة وإشعال للحرائق وتعطيل للمواقع الحيوية، إلخ...، من منهم لم يضع نفسه في موقع الوصي والخارج عن "التنوع" في النسيج الإجتماعي، مما يمنحه القدرة على إدارة النزاع. جميعهم وقفوا وقالوا "أنا الضامن الوحيد لبقاءكم، من بعدي سوف تتصارعون، وأنت أيتها الفئة المقربة،،،، ستموتين، فقفي إلى جانبي، قفي مع كل الجوع ،ومع كل الفقر قفي، فذلك سيكون أسلم كثيراً من الموت.
التعميم والغموض في سبيل التضليل
ما أكثر تلك الجمل العامة في خطابات الزعماء العرب، والمساحة المفضلة لهذا الخطاب بالتأكيد هي الحديث عن الديمقراطية والحريات العامة وقانون الإنتخاب ودورالبرلمان، لا لشيء سوى لأنها قابلة للتأويل والتشويه وتمتلك خيارات أوسع من الحديث عن دور الدولة الإقتصادي والسياسي مثلاً. الديمقراطية هي "ديكتاتورية طبقة"، تعبر عنها البرجوازية من خلال البرلمان كما عبر عنها الإقطاع سابقاً من خلال المؤسسات الدينية. حتى المقاربة الفلسفية لمسألة الحرية والديمقراطية تحتمل العديد من الآراء والأشكال، فكلاهما مرتبط بتطور وسائل الإنتاج وعلاقاته، لذلك كان تسليط الضوء على الحديث السياسي الخالص إحدى المخارج التي نظر إليها الزعماء العرب للخروج من أزمات الضغط الشعبي، وإحدى وسائل اللعب على الوقت كذلك.
تحديد شكل المعارضة و صدق القمع
وبموجب الخوف من الفوضى، يخاطب الزعماء العرب الناس بالكف عن النزول للشارع وإلتزام البيوت، يحاولون فرض شكل معارض على المجموعات المحتجة أكثر نعومة وأقل تأثيراً بالضرورة ، وتطالب إستبداله بلجان حوار وطنية " لكن ما نواجهه من مشكلات وما نسعى إليه من أهداف لن يحققه اللجوء إلى العنف، ولن تصنعه الفوضى، وإنما يحققه ويصنعه الحوار الوطني والعمل المخلص والجاد". عندما يضيق السجان ذرعاً بأسيره إما أن يحاوره وإما أن يقتله، ولكنه أبداً لن ينصفه. لا أستطيع أن أفهم ذلك الحوار بعيداً عن سياق الإمتصاص وإبر المورفين، كيف لذلك أن يكون والبلطجية على الأبواب، كيف لذلك أن يكون وعصي الأمن تلاحق المتظاهرين من مكان لآخر. وحده الزعيم الليبي معمر القذافي كان صادقاً في موقفه من الثورة في ليبيا، "سأقتلكم، وسأطاردكم أينما كنتم"، وللبقية خطاب يشعرك بأن قلوبهم معنا ولكن سيوفهم علينا.

البحث عن قفاز قذر
أجمعت الأنظمة العربية على أسلوبها في إستخدام قفاز قذر وتحميله وحده وزر المصيبة، وتحميله كل الذنوب السابقة واللاحقة، ويظهر الزعيم العربي بهيئة الممتعض والغاضب من أداء الحكومة، فيبوخها ويقدم على إقالتها، ويرحب بالحكومة البديلة، ويقدّم لها كل النصح والإرشاد كي لا تقع في أخطاء سابقتها، ولكنها للأسف دائماً تفعل! الناس هتفت في الشوارع العربية "الشعب يريد إسقاط النظام" والزعيم العربي قال "ستعمل حكومتي على مجموعة من الإصلاحات بأسرع وقت"، الشعوب العربية هتفت "إرحل، إرحل" والزعيم العربي قال "سيكون هناك حكومة أخرى ، أرجوكم إنتظروا، فالخير قادم، فلا تستعجلوا"
محاربة الفساد والتمسك بالنمط الإقتصادي الحالي
الجميع تحدث عن محاربة جدية للفساد، وسيطاردون السارقين أينما وجدوا. لقد ظهر الفساد تاريخياً مع نشوء الدولة، والأهم للشعوب العربية اليوم أن لا تغرق في تفاصيل الصفقات، أي منها أخلاقي وأي منها ليس كذلك! فالفساد صفة ملازمة لهذه المنظومة الإقتصادية التي نعيش، لقد تحولت المعركة من صراع على ملكية وسائل الإنتاج إلى صراع على ملكية الورق "النقد"، نستطيع فهم ذلك في سياق التبعية المتواصلة التي عاشتها الشعوب العربية، ولكن لا بد لنا من وعي قادم ينسف كل هذا!  
أمام الشعوب العربية طريق طويل فهي تعيش مظاهر الثورة ولم تحياها بعد، أمامها مواجهات عديدة: التمثيل الإستعراضي للطبقة على شكل فئة،  التعميم والغموض في شكل الخطاب، أكاذيب "الديمقراطية" الليبرالية على حساب العدالة الإجتماعية، القفاز القذر، المعارك الهامشية في واجهة المشهد، القمع الصريح والمستتر، قوى الشد العكسي من الحجاز إلى واشنطن. اليوم لم يعد في هذه الأنظمة ما يمكن إصلاحه، لقد تعلمنا إسقاط الأنظمة ولا بد لنا أن نتعلم كيف نبنيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق