السبت، 13 أغسطس 2011

الأمريكان والأخوان

إنشق الوسط الثقافي والسياسي عربياً في تحليل الثورات العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا، هل هي حقاً ثورات بما تحمل هذه الكلمة من معنى في بعدها الفلسفي "أن تحل تركيبة إقتصادية إجتماعية جديدة بديلاً عن سابقتها المنفية"؟ وهل يمكن لهذه "الثورات" أن تكون نفق العبور اللازم للوصول إلى "الثورات"؟ وهل المجتمعات العربية اليوم على جاهزية معقولة لبناء "مجتمع مدني"؟ وهل المجتمع المدني الديمقراطي يبنى على أرضية يغيب عنها التصنيع والإنتاج الحقيقي؟ وهل يعني إسقاط الأنظمة الحالية برموزها الحالية أن هناك بنية جديدة قادمة ستفكك علاقات الإنتاج القائمة وتأتي بأخرى بديلة عنها. موضوعة هذه الأسئلة والإجابة عنها مفتوحة للنقاش، ولكن في الحديث عن الإسلاميين ودورهم فيما يجري وقد يجري، لا بد من الوقوف عند الأسئلة أعلاه.
إن الإستخفاف بدور الإسلاميين في هذه المرحلة يعد تجاهلاً لموروث ثقافي جمعي عربي، أسهمت في بناءه مجموعة من العوامل كانت إحداها الأنظمة التي تثور عليها الشعوب العربية اليوم.ولذلك من المهم الوقوف عند هذا الخيارو تحليله جيداً، ودراسة موقعه في مرحلة ما بعد الهدم الواجب إستكماله:
·       هل مجيء الإسلاميين لتسلم زمام السلطة يعني "ثورة" في بعدها الفلسفي سابق الذكر؟
·    مما لا يخفى على أحد أن مأساة الشعوب العربية أنها لم تستكمل تحررها، فقد إتجهت من حقبة الإستعمار المباشر، إلى حقبة أكثر خطورة يتداخل فيها الإستلاب الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والإستعمار الداخلي، ودون فك الإرتباط مع المراكز المعنية بتكريس التخلف، لن تقوم لنا قائمة!فهل مجيء الإسلاميين قادر وراغب في إستكمال هذا التحرر وتحت هذا العنوان "إستكمال مشروع التحرر"؟
·       هل هناك تناقض بين الأمريكان والإخوان، مما يجعل قدوم الإسلاميين أمراً صعباً؟
·هل الإسلاميين اليوم بحاجة إلى ثوب جديد، يتناسق مع الفيسبوك وتويتر وحوارات الإنترنت و "الحرية"و"الديمقراطية"، هل الإسلاميين بحاجة إلى ثوب أردوغاني؟
إن الملاحظة الدقيقة لخط سير الإسلاميين عربياً، تقدم إستنتاجاً مفاده أن الإسلاميين لم ولن يمثلوا "ثورة"، فقدومهم لإعتلاء السلطة السياسية عربياً، لن يجلب أي تغيير للواقع الإقتصادي بالدرجة الأولى، بمعنى أنهم لم يقدموا طوال السنوات الماضية أي برنامج بديل على هذا المستوى، وكان العنصر الأساسي في أدوات التحفيز للناس يستند إلى الدين بما يمثل من موروث إجتماعي، وهذا الإستناد فتح الباب لتمرير الفرق بين المرابحة و القروض "الربوية" في باقي المؤسسات المالية التي لا يعتليها "لوغو" إسلامي على واجهاتها. ولذلك فإن البديل الإسلامي، إن جاء، سيستند على تغييرات قشرية في الجانب الإجتماعي، تحدث الناس عنها طويلاً، ومنهم من إنتظرها طويلاً، والكثير منهم، في حال حدوثها، لن يحتملها طويلاً.
وفيما يتعلق بموقف الأمريكان من الإسلاميين، فلا بد هنا من التنويه أن أمريكا تنظر إلى المسألة بجانب مصلحي بحت، بمعنى أن الحفاظ على الإستثمارات، ومنطق السوق "الحر"لصالحها هو الأهم، وطالما أن البديل لا يملك بديلاً، وغير راغب بتكوينه في هذا الخصوص "الشأن الإقتصادي"، فلن يكون مرفوضاً أمريكياً.الفوضى الخلاقة والبحث عن الإستقرار وجهان لعملة واحدة في المشروع الأمريكي، فهي بحاجة لهذا في وقت ومكان ما ولذاك في وقت ومكان آخر. فإن كانت الفوضى هي المطلوبة في مكان ما، سيؤتى بالإرهاب إلى واجهة المشهد، وإن كان الإستقرار هو المطلوب في مكان آخر، يؤتى بقوى "التنوير"، المستحوذة على رضا جماهيري معقول. المهم هو المصالح الإقتصادية، والإستقرار والفوضى "إقتصاد الكوارث" هي معايير متبدلة تستخدم بالتناسق مع الحاجة. الإسلاميين في هذا السياق يشكلون خياراً وارداً و خطراً كبيراً على أي ثورة حقيقية، فمعنى مجيئهم هو مواصلة طريق الخضوع ولكن هذه المرة بثوب جديد "مقدس"!
أردوغان لم يجرؤ على المساس بمبادئ العلمانية في تركيا، والحركات الإسلامية في الوطن العربي حاولت التعبير عن نفسها أنها "ديمقراطية"و"حديثة"في مشاركتها في الإحتجاجات.أمريكا اليوم بحاجة إلى وكيل ملائم، والحركات الإسلامية مستعدة لقبول الدعوة، وبدأت تتعلم كيفية إرتداء ثوب أردوغان بظروف ومعايير مختلفة عنها في تركيا.الأخوان المسلمون من أكثر الحركات براغماتية ، وتسلمهم زمام السلطة يعني إجهاض لمشروع لم يبتدئ بعد وجولة جديدة من الصراع قد تكون الأصعب لأنها بإختصار أبعد ما تكون عن الديمقراطية. على الشعوب العربية أن تقف جيداً وتفكر في بديل لا بديل عنده عن تفيكيك علاقات الإنتاج الحالية وفك الإرتباط التبعي مع المراكز، فتلك هي الثورة بما تحمل من معنى فلسفي.
في ظل إحتجاجات الشعوب العربية طغى المنطق الصوري ذو البعدين على أذهان العديد من المثقفين والعموم، حالة تشبه إلى حد كبير المنطق الرقمي ( إما أن تكون النتيجة 0 أو 1)، فمن ينتقد طائفية أو إقليمية أو دينية أوعشائرية خطاب ثورة ما، يصبح أوتوماتيكياً مدافعاً عن النظام القائم، ومن يدين القمع الذي تمارسه الأنظمة العربية في ردها على الثورات ينتمي أوتوماتيكياً للفئة التي تتصدر مشهد الثورة. إن الدماء التي سالت في سبيل إسقاط هذه الأنظمة تستحق أن يكون البديل حقيقياً، وتستحق أن لا تعاني الشعوب العربية مرحلة جديدة من القمع والتهميش. إن جرس الإنذار لإبتداء مرحلة الهدم لم تقرعه لا أمريكا ولا الأخوان، ولكنهما حاضران بقوة لتحديد خيارات الشعوب في المرحلة التي تليها، ولكي تؤتي الثورات أكلها هناك ثلاثة أطراف لا بد من تهميشها عن خيارات المستقبل: النظام والأخوان والأمريكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق