السبت، 13 أغسطس 2011

أكاذيب الملكية الفكرية

يقال أننا نعيش في ثورة تكنولوجية إتصالاتية تطورت معها أدوات الإتصال إلى حد غير مسبوق، ويقال أننا نعيش في ثورة معلومات أصبح من السهل معها الحصول على كل المعلومات على إختلاف حساسيتها وتأثيرها.على المستوى التقني هذا الكلام صحيح، فالثورة التكنولوجية اليوم تحيا حالة تسارع وتطور كبير. ولكن يتبقى هناك مجموعة من الأسئلة العالقة: هل رافق هذه الثورة التقنية ثورة على صعيد الوعي الإجتماعي؟ هل تطور مستوى التواصل وتبادل المعلومات تقنياً رافقه تطور للشعوب المتخلفة في خضم "التسهيلات"للحصول على المعلومة؟ هل رافق تطور أدوات الإتصال إستثمارها بحرية مطلقة للتعبير والتحشيد لفكرة ما، دون ملاحقات أمنية تقنية الطابع والوسائل كذلك؟ هل من السهل اليوم الإستفادة من أدوات الإتصال لغايات البحث العلمي وخارج عباءة "المصدر"؟
في هذا السياق يأتي الحديث عن الملكية الفكرية التي جرى ترويجها وكأنها مفهوم مطلق. فمع كل التطور التقني الحاصل، تبقى الفكرة مملوكة، مملوكة لغايات الإحتكار، وتبقى الفكرة محاطة بأسوار تقنية تمنع الوصول إليها، وقد تكون الفكرة "مسروقة" لأن أحداً آخر نطق بها قبل أن يفعل آخر تؤرقه بشغف منذ سنوات.
في عام 2004 قام كل من ألما سوان وشريدان براون بعمل دراسة بدعم مشترك من مجتمع أنظمة المعلومات ومؤسسة المجتمع المفتوح، كان هدف الدراسة فهم الإختلاف في طرق نشر الباحثين لأعمالهم، إما من خلال وسائل النشر المفتوحة ، أو نشر مقدمات الأبحاث ويتم الحصول على المعلومات كاملة من خلال الشراء.46% من الباحثين الناشرين في المصادر المفتوحة يفعلون ذلك لقناعتهم بالشكل المجاني لنشر الأبحاث، ولن يواصلوا النشر في أي مصدر يغير هذه السياسة. 69% من الباحثين الذين يستخدمون المصادر المحددة للنشر ينظرون إلى المصادر المفتوحة على أنها تخفض من قيمة البحث و"بريستيجه"!
في عالم البرمجيات، وقفت البرمجيات مفتوحة المصدر على النقيض من البرمجيات الإحتكارية. دعت هذه المجموعات إلى فتح مصادر الشيفرة، وتوزيعها للجميع، ضمن مجتمع حر ويشارك الجميع من مختلف بقاع الأرض في تطوير المنتج، لقد كان التطوير "الفوضوي" لهذه المنتجات التقنية سريعاً إلى حد الذي عجز معه أعداءهم التجاريين من  بناء "فيروس" لها! عملت هذه المجموعة تحت شعار "برمجيات حرة، مجتمع حر"وإستطاعت في أماكن عديدة من ضرب الشركات الإحتكارية وتجاوزتها حتى على المستوى التقني وكانت على يسار منظومتها المبنية على أسس حقوق الملكية "Copy Left" . في ذات الوقت واصلت الشركات الإحتكاريةأكاذيبها وخدعها كإصدار النسخ المضروبة لغايات بيع علاجها لاحقاً، وكانت تستشهد بمثال إفلاس إحدى الشركات المصنعة للسيارات المستخدمة في تورزيع الحليب في بريطانيا، نظراً لتصميمها السيارات بكفاءة عالية مما سبب ضرب أرباح الصيانة.
إن حقوق الملكية الفكرية هي إحدى إشتقاقات الملكية الخاصة وصورة عنها، إن "المالك" الفكري للأشياء يخشى الآخر ويخشى معرفته أكثر، يخشاه إلى الحد الذي يدفعه إلى حجب المعرفة الحقيقية ويصدر له الميثودولوجيا "علوم القشور". لا يختلف ذلك أبداً عن موقف تاجر السلعة. ولا يختلف أبداً عن موقف البنك الدولي، ولا يختلف عن مواقف مراكز التصنيع العالمي، هذه علاقات ليست هزلية وليست متطرفة، فما الغريب في ذلك حين تمرقوانين حقوق الملكية الفكرية ضمن حزمة الإتفاقيات مع منظمة التجارة العالمية.
لقد أنجز مشروع تشاركية المعرفة تقنياً إلى حد كبير، ولكنه ما زال ميتاً حتى اللحظة إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً، لقد تجذرت حقوق الملكية الفكرية في الوعي كما هو حال الملكية الخاصة، وأصبحت ملكية الفكرة حقاً طبيعياً سائداً ومشاركتها "سرقة". في إحدى الأفلام السينمائية المهمة "في فور فينديتا" تعبر الشخصية الرئيسية في الفيلم عن موقفها من الملكية و السرقة "أنا لست سارقاً، السرقة هي الملكية"، وحارب الدادائيون بجنون منقطع النظير مفهوم الأصالة، فجردوا الرسام من ملكية اللوحة لأنه لا يملك ريشة الرسم، وجردوا الشاعر من ملكية القصيدة لأنه لا يملك الكلمات، وهذا المثال ليس في سياق تكسير حوافز الإبداع، بل للتحذير من مخاطر الفردانية المؤسسة على وعي الملكية الخاصة وإبنتها الملكية الفكرية.
حقوق الملكية الفردية والقوانين الناظمة لها تأتي في سياق إحكام السيطرة على المجموعات المحتاجة للمعلومة اليوم، ونحن الطرف الأضعف في هذه المنظومة ، ونحن الطرف المتعرض لهذا التهميش ونقبل بقوانينه، لا يكمن الحل في مواصلة التسول لإستكمال مشروع التطور. في هذا العالم خياران إما الإحتكار وإما المشاركة والتكامل، ولن ينجز المشروع الثاني إلا بفك الإرتباط مع الجهات المصرة على المشروع الأول "الإحتكار".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق