الخميس، 11 أغسطس 2011

مجتمع الإستعراض

مجموعة منوعة من السلع تغزو العالم بمولاته وأسواقه مشكلة دوامة من الأشياء يقف المستهلكين في قلبها،ولا يملكون سوى سلطة الإختيار الخارجية وسلطة تحديد القيمة، ويعبر المجتمع عن نفسه أنه"مجتمع الوفرة"القادر على إشباع كل الإحتياجات وقادر على تلبية كل الرغبات ، ويتعرض الناس لقصف مستمر من الصور ليصبح الواقع شيئاً مستعملاً تحت سلطة التسويق الزائفة، وينكسر سحر واجهات المتاجر وتنكشف الأشياء على ما هي عليه فعلاً في علاقتها بالتملك الذاتي، فما يتم تملكه يفقد القيمة الغرائبية التي كان يتحلى بها ويظهر التفكير في وظائف الأشياء بعد الإستعمالات الأولى، ويتحول الإستعمال بحد ذاته أيضاً إلى سلعة تستهلك.لم يكن غريباً في مظاهرات ضريبة الرأس في لندن الهجوم على أغلى المتاجر، وعلى ألمع لافتات الدعاية وعلى أفخر السيارات، فقد ذلك هجوماً مقصوداً على مظاهر الإستعراض والإستهلاك الصارخ.
 لم يكتف النظام في توسيط السلع في علاقات الناس بل تجاوز ذلك إلى أن تتملك السلعة البشرية بأكملها، فما يحاول الناس أن يتملكوه اليوم قد تملكهم، وبات صاحب السيارة مملوكاً لها، وصاحب الثوب الأنيق مملوكاً له، وصاحب الحذاء الجديد، وصاحب الهاتف الذكي، وصاحب النظارات الواقية من الشمس، وصاحب آخر صورة في وضعية مختلفة على الفيس بوك، وصاحب المقال المختلف.......
  وتمتد العلاقات السلعية لتشمل كل جوانب الحياة وصولاً حتى إلى المسرح و الفكر والثقافة، تصبح المعلومة تباع وتشترى وتروج وتعرض وتستهلك كالخبز تماماً، وتفرد الصحافة أخبارها كالسلع وفقاً للمزاج العام ووفقاً لإحتمالات إنتشار الخبر، "إعتصام هذه الفئة من العمال بات خبراً عادياً ومستهلكاً ولا داعي من نشره"، "لقد نشرنا شيئاً مشابهاً في الماضي القريب وبات الخبر مستهلكاً".وتتحالف صيغة الإستعراض ومنظومة إحتكار المعرفة لغايات "التطور" الفردي، فإحتكار المعلومة في الصحافة هو الرديف المباشر لإحتكار المعرفة في المؤسسات التجارية الكبرى، والملكية هي العنوان الأساسي لهما.
ويتم تقسيم الزمن إلى وحدات قابلة للبيع:وقت تناول الشاي، وقت النزهة، وقت الراحة الأسبوعية، وقت العلاقات الإجتماعية، ويعبر النظام عن نفسه وزمنه بإقتران خطي ثابت، وتصبح الجغرافيا وكذلك التاريخ وحدات إضافية للبيع والشراء، وتنتشر المؤسسات السياحية لبيعها، ليتمكن الناس من شراء أماكن تصلح للنظر إليها ولا تصلح للعيش فيها، "من هنا مر جنكيز خان، وهنا نصب الرومان قلاعهم، وهنا كانت أول الصواريخ التي سقطت على بغداد، وهنا كانت تعتقل إسرائيل مناضلي الجنوب"
ولل"النجوم" حصة كبيرة  في مجتمع الإستعراض، الذين لهم غراميات، وفضائح، ومغامرات لا بد من الإطلاع عليها، فإذا نسي المرء فينا الحياة فإن بإستطاعته أن يتماهى مع مجال كامل من الصور، له أن يكون أفضل لاعب كرة قدم بالنظر إلى ميسي، وله أن يكون "المع" المعارضين بطبع صور جيفارا   و نسج واقع من الخيال يعيش فيه ويتمرد فيه ويحيا صورة الثائر الذي يريد هناك، وله أن يكون "ألمع" الكتاب الساخرين بالنظر إلى برنارد شو، وله أن يكون "أنبغ" الفلاسفة بالنظر إلى ماركس وهيوم وفوكو....، وله أن يكون "أروع"الشعراء بالنظر إلى المتنبي، والقائمة تطول.في مجتمع الإستعراض الشخصية المشهورة هي التمثيل الإستعراضي للإنسان الحي ونقيض الفرد الذي تتغنى الرأسمالية بالحفاظ عليه! المشهورون هم مواطنون "نموذجيون" يعوضون عجز مشاهديهم عن أن يخبروا التجرية الحقيقية بالفعل أو بمعنى آخر في الواقع. سوف تحل الصور النمطية للنجم والفقير والشيوعي والقاتل من أجل الحب والمواطن الملتزم بالقانون والمتمرد والبرجوازي والرياضي والشاعر محل الإنسان واضعة في مكانه نسقاً من التصنيفات المتعددة النسخ، نسخٌ إستعراضية غير حقيقية، والحقيقي مكبوت، وفي إنفصال كامل عن الواقع."نحب أن يقال لنا من نحن حقاً لأن إستلابنا يجعلنا عاجزين عن التقرير لأنفسنا : من نحن؟؟؟"
يقف الناس اليوم متفرجين على أنفسهم فيما يفعلون، تلاصقهم المرآة أينما ذهبوا والكاميرا كذلك، تغويهم التمثيلات الخارجية لما قد يكون وليس بكائن! تقيدهم سلطة الصورة وتمنعهم من العيش في الواقع الحقيقي وبالتالي صنعه.
الإستعراض هو رديف التسليع وهوكذلك منظومة إقتصادية إجتماعية شاملة، مجتمع يتفاخر بقدرته على العرض، وجمهور بات مستعداً للإستهلاك وإنتاج المزيد من السلع الإجتماعية الإستعراضية التي تزيد من عمر الإستلاب وتحول الحياة إلى أساليب إستعراضية يستحيل معها أن يحيا المرء في الواقع، وتسحق فيه رغباته الحقيقية لصالح تلك الخارجية والغريبة.
لقد إبتدأ هذا النظام بالقسر والقهر والدم، واليوم ، في كثير من الأحيان، هو ليس بحاجة إلا للخداع وصور تحرس الواقع!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق