الخميس، 1 ديسمبر 2011

ندوة منتدى الفكر الإشتراكي: ثورة أكتوبر والثورات العربية

البند الأول: ما هي الثورة؟
الحركة العميقة الواسعة لجماهير الشعب والتي يتم أثناءها القضاء على تناقضات أساسية في المجتمع عن طريق إزاحة الطبقات القديمة عن السلطة وإنتقال هذه السلطة إلى الطبقات الجديدة. إنه إحلال لتشكيلة إقتصادية إجتماعية جديدة تنفي سابقتها، وتتبوأ موقعاً تتمكن من خلاله التأثير على العقل الجمعي بأدوات على الأغلب تكون جديدة.
بهذا يمكننا التمييز بين الثورة والتمرد أو الإنتفاضة أو الإنقلابات أو الإصلاحات، فتغيير المسميات الذي قد يكون ناجماً عن مؤامرات داخل الطبقات المستولية على السلطة، أو إنقسامات إجتماعية باحثة عن الإستيلاء على السلطة مع الحفاظ على نظام الحركة أو تفنيط للمسميات وفقاً للمصالح، لا تعبر أياً منها عن  تغيير ثوري ولا تغيير جذري للنظام.
وبالتالي فإن دعم هذا التحرك أو ذاك تعتمد أساساً على مدى إقتراب التحرك نفسه من مفهوم الثورة ذاتها، ولذلك لا تتوقف هذه المقاربة عند شكل التحرك "سلمي أو عنفي" ولا عند عدد الضحايا، وإنما على صيرورة هذا التحرك ليحل الجديد بديلاً عن القديم  في نهاية المطاف.
وهذا لا ينطبق فقط على ثورة عمالية تواجه الرأسمالية مثلاً، فمجيء البرجوازية بديلاً عن الإقطاع في أوروبا يعد ثورة، تشكيلة إجتماعية إقتصادية جديدة تحل بديلاً عن سابقتها، وتعتمد على مؤسسات جديدة في إدارة المجموع البشري فكما كانت الكنيسة هي الأداة الأساسية للإقطاع، كان البرلمان بالنسبة للبرجوازية، وبقدر ماتتمكن الطبقات الثائرة من تأسيس مؤسساتها الخاصة بقدر ما إقتربت أكثر من إستلام السلطة في الواقع، وهذه ما جرى عن تأسيس برلمان خاص في فرنسا للقضاء على الإقطاع على النقيض من التجربة البريطتنية في الصراع مع الحكم المطلق،  وتأسيس مجالس السوفياتات في روسيا.
إذن الثورة في التعريف العام هي إزاحة ونفي لتشكيلة إقتصادية إجتماعية تترأسها طبقة ما من خلال مجموعة من المؤسسات، ليحل بديلاً عنها تشكيلة إقتصادية إجتماعية أخرى تترأسها طبقة جديدة، وتمتلك القرار في إنشاء مؤسساتها الخاصة.

ثورة أكتوبر في سياق التعريف المطروح
فلنأخذ ثورة أكتوبر كمثال يوضع لمقاربة التعريف المذكور، ففي الجانب الإجتماعي أوردت العديد من المصادر عن نسب أمية عالية في المجتمع الروسي وخاصة بين الطاجيك والقرغيز والأوزبك، تراجعت هذه النسب إلى حدود كبيرة في ظل النظام الجديد. فكان ما ينفق من قبل وزارة التنوير الشعبي، التي سماها لينين وزارة التعتيم الشعبي، كان ينفق على العلم والثقافة نسبة بسيطة جداً مقارنة مع ما ينفق على السجون.
ولقد تطور هذا الجانب الإجتماعي على مدار العقود اللاحقة ليصبح حالاً واقعاً، ففي دراسات الهندي بيجو كومار "الإنسان الجديد في الإتحاد السوفياتي" الذي أمضى فترة طويلة في الإتحاد السوفياتي، تحدث عن دور الحضانة، على سبيل المثال، الطفل الروسي الذي ينادي "أعطني لعبتنا" والطفل الإنجليزي الذي ينادي "أعطني لعبتي"!
وفي الجانب الإقتصادي تمكنت ثورة أكتوبر من النهوض بروسيا صناعياً، كانت روسيا في العهد القيصري تعتبر من البلدان المتوسطة في هذا المجال إلا أنها تمكنت لاحقاً من إحتلال موقع متقدم جداً.
والأهم من التقدم الصناعي هو التغيير الحاصل في أنماط الإنتاج وعلاقاته، فقد كان الشعار الأساسي للثورة هو الإشتراكية، بينما كانت العناصر الأساسية للإقتصاد الروسي هي:
v   الإقتصاد الفلاحي الطبيعي
v   الإقتصاد البضاعي الصغير "الذي يضم الفلاحين البائعين للحبوب على سبيل المثال"
v   الرأسمالية الخاصة.
كان التوجه العام للينين هو التحالف بين العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة المترددة "مجموعة من الحرفيين والتجار الصغار والفلاحين الصغار"، للإستيلاء على السلطة السياسية ومن ثم القيام بالمهمات البرجوازية وعلى رأسها التصنيع.
لقد عبر لينين في أكتوبر عن إنتقال إقتصادي من الدولة الرأسمالية الخاصة إلى رأسمالية الدولة ومن ثم إلى الإشتراكية. وقد تعرض لينين إلى نقد داخلي حاد في هذا السياق "رأسمالية الدولة في مرحلة الإنتقال إلى الإشتراكية" وقد كان هذا المشروع يتحدث عن تشكيل مجالس لمختلف القطاعات الإقتصادية تتشكل أغلبيتها من العمال وتستفيد من خبرة البرجوازية الصغيرة والتجار الصغار في الجرد والتنظيم.
إذن عبرت ثورة أكتوبر عن شكل من أشكال الإنتقال للإقتصاد الروسي المتشكل من العناصر الثلاثة سابقة الذكر إلى رأسمالية الدولة كعتبة إنتقال إلى الإشتراكية لاحقاً.
وفي الجانب السياسي "وهو أداة تنفيذ الرؤى الإقتصادية والإجتماعية"  فقد كانت المهمة الأساسية هي إخضاع فوضى البرجوازية الصغيرة للرقابة والجرد من جانب الدولة السوفياتية من خلال مؤسسات تتشكل أغلبيتها من العمال. وتم التعبير عن رأسمالية الدولة أنها الرأسمالية التي سمحت بها السلطة البروليتارية في حدود معينة لخدمة التنظيم الإشتراكي الجديد، ومن الأمثلة على ذلك هو تأييد لينين لإتفاق نقابة عمال الجنود مع أصحاب العمل على إدارة المؤسسات الصناعية في هذا القطاع من خلال اللجنة الرئيسية واللجان المناطقية والتي يمثل العمال فيها جميعا نسبة الثلثين مقابل ثلث واحد لأصحاب العمل.
المهم هنا أن الناتج العياني لثورة أكتوبر هو الظهور بطبقة جديدة تسلمت السلطة السياسية التي ستصوغ بدورها الإقتصادي والإجتماعي على حد سواء، وقد قامت هذه الثورة بالأساس على تحالف العمال والفلاحين دون إنقسامات ثانوية أثرت على شكل الصراع الطبقي.
ما هي الثورة المضادة؟
هي محاولة إعادة البلاد إلى دولة ما قبل الثورة "دينيكين في روسيا إبان ثورة أكتوبر"، أو هي معارضة إستكمال مشروع الثورة "ضمن التعريف المطروح" "الدور الخليجي اليوم في البحرين ومصر" أو هي تمرير مشروع لإسقاط نظام تسقط معه قيم أساسية للعدالة الإجتماعية "شافيز والسلفادور الليندي ومانجستو هايلي"

ظروف الثورات العربية ومقاربة للنقاط المذكورة أعلاه
هل هناك تشكيلة إقتصادية إجتماعية قادمة، أو مؤسس لها على الأقل؟
مع غياب المنظومة الإشتراكية، بات هناك قطب واحد يتحكم في صياغة النظام الإقتصادي العالمي ولكنه كذلك تمكن من صياغة المنظومة الثقافية للشعوب (تجذير الملكية الخاصة في الوعي، التسليع،بناء مجتمع الإستعراض، المنافسة بين الأفراد والتريج لها على أنها الأساس في تطوير القدرات البشرية، الحرية الفردية السائقة إلى حرية الملكية الخاصة وحرية الإستغلال، "الديمقراطية")، في ظل هذه الظروف طغت مفاهيم الدولة المدنية والمطالبة بالحرية والديمقراطية على واجهة المشهد، وكان السبب في ذلك هو غياب أي قاموس آخر يحمل على سبيل المثال مبادئ العدالة الإجتماعية كأساس.
 فما هي الحرية ؟، وما هي الديمقراطية؟ وماهي الدولة المدنية؟ وهل يمكن الحديث عن الحرية دون الحديث عن الضرورة؟ وهل يمكن الحديث عن الديمقراطية دون الحديث عن حرية الإختيار؟
لقد تمكنت الرأسمالية بتفردها في إدارة النظامين الإقتصادي والإجتماعي من فرض مجموعة من المفاهيم المطاطة والرمادية، فيصبح الإقتصاد هو إختصار لمعاملات الأسهم والسندات والتضخم والناتج المحلي الإجمالي وسعر الصرف، أي يصبح في أحسن صوره إقتصاداً كينزياً، ويغيب عن العقل الجمعي وجود شكل آخر من الحياة يتمثل في نموذج، ولقد أسعفت الثورات الأمريكية الجنوبية في إستحضار هذا النموذج من جديد.
لقد تصدرت المطالبات الشعبية "للثورات العربية" المطالبة بالحرية والديمقراطية، فتلك هي المفردات التي كرسها القطب الواحد على مدار السنوات الماضية، والآن نحن أمام معركة مفتوحة من المفاهيم والوعي الجمعي، معركة تغيب عنها مصطلحات القاموس النقيض.
فالحرية بالمجرد هي القدرة على الفعل في الوقت المرغوب، فهل تطورت أدوات الإنتاج إلى الحد الذي يسمح بذلك، إن الحرية ما زالت تجادل إستحقاقات الضرورة، ولهذه الإستحقاقات شكلين إشتهر بهما التاريخ، إما الإستحقاق الرأسمالي، وإما الإستحقاق الإشتراكي، الذي تمثل بيروقراطياً في كثير من الأحيان، إما إستحقاق الإستغلال مقابل "الحرية"، وإما إستحقاق العدالة مقابلها.
لا يمكن الحديث عن الديمقراطية إذا كان رأس المال السياسي ما زال حاضراً كعامل أساسي في خيارات الناس. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون الحديث عن الحرية في الإختيار، الحرية المعزولة عن العرض والطلب وسياسة السوق.
وما هي الدولة المدنية هل هي مجتمع المبادلات الحرة كما قال آدم سميث، أم هي دولة توماس هوبز أم هي دولة جون لوك أم هي دولة هيجل ؟؟؟
لذلك، عند إنظلاق الثورات العربية كان لا بد من الإنتباه إلى التعريف سابق الذكر، هل نحن أمام تركيبة إقتصادية إجتماعية جديدة؟ هل نحن أمام تغيير جذري لأنماط ولعلاقات الإنتاج؟ أم نحن أمام إعادة إنتاج لصيغ النظام نفسه إن لم يكن أسوأ!!
إن الدول الأوروبية في أغلبها مرت في مرحلة تمكنت خلالها من بناء دولة التصنيع، روسيا وإنجلترا وألمانيا وفرنسا، لقد حرمت الدول العربية حقها في هذا التطور، وحرمت قسراً في محطات تاريخية كمرحلة محمد علي باشا وجمال عبد الناصر. الآن المهمة الكبيرة جداً للثورات العربية هي البدء في ذلك، بما يعرف بفك التبعية، وهذه التبعية هي تبعية إقتصادية وإجتماعية على السواء، وفك الإرتباط هذا، يعني إيقاف تدفق السلع والمنتجات من المراكز المصنعة إلى الأطراف المستهلكة، مما يعني أزمة في النظام الرأسمالي العالمي ككل. وهذا الإفتكاك أول أول ما يتطلب، يتطلب نظاماً سياسياً بديلاً بالكامل.
إن كان العمال والفلاحين هم الحامل الإجتماعي لثورة أكتوبر فمن حاملها في الثورات العربية؟
عما تعبر الإنتفاضات العربية اليوم، هل تعبر عن ثورة برجوازية بلا برجوازية وطنية؟ هل تعبر عن ثورة عمالية بلا إنتاج رأسمالي مركزي؟ هل تعبر عن ثورة عمالية مستعدة لحمل مهمات البرجوازية؟ أم هي إنتفاضات طائفية البعد؟
كثيراً ما يتم التنظير لمسألة ضياع الطبقة، وأنها لم تعد موجودة أساساً مع قيم "التسامح" التي تتبناها الرأسمالية. عملياً الطبقة ما زالت موجودة وبشكل واضح ولكن الفئات المضمنة تحتها إتسعت إلى حد كبير مع إنفجار ثورة الإتصالات والثورة التكنولوجية وتداخل السوق العالمي على المستوى الجغرافي، وإتساع الكمبرادور، وإنفجار الإقتصاد الخدماتي.
إن الفئات القادرة على حمل هذا المشروع هي الفئات المفقرة من المزارعين والعمال "وهنا لا بد من تعريف جديد للطبقة العاملة يتجاوز التصنيفات التاريخية التي ظهرت في سياق التجارب الخاصة" وأبناء الطبقة الوسطى المستلبين.
ولكن على الأرض، هل هذه هي الصيغة؟
مع غياب حقل المفاهيم المطلوب "المنادي أولاً بالعدالة الإجتماعية وتنحيته مقابل الإنتخابات والدولة المدنية، ومع غياب العمل السياسي المرتبط عضوياً بمصالح الطبقات المهمشة، وغياب العمل السياسي المستكشف أساساً لمكونات الطبقة، ومع التقسيمات الثانوية التي عززتها الأنظمة وال|إستعماؤ على حد سواء، تمثلت الطبقة إستعراضياً على شكل فئة في لحظات ما، وباتت توصف الثورات على أنها شيعية في البحرين، وغير علوية في سورية، وقبلية في اليمن، وما إلى ذلك. ومن هنا لعبت الأنظمة على تخيير الفئات المدللة بين الموت، والجوع الآمن برعايتها هي. "المرور على ثورة الزنوج وواقع القوميات في ثورة أكتوبر ومقارنتها في الثورات العربية".
في ظل هذه الظروف تشكلت الفئات المحتجة بناء على التشكيلات السياسية المتاحة، والتقسيمات الإجتماعية المتاحة كذلك.
وفي الجانب السياسي ومع غياب العمل المنظم الموصول مباشرة بأشكال الصراع الطبقي، تمكنت القوى الإسلامية من القفز إلى واجهة المشهد، وبتنسيق عالي الوتيرة إقليمياً وعالمياً ومع مراكز الإمبريالية العالمية مباشرة، كما يحدث في سوريا ومحاولات جادة في مصر كذلك ونتائج الإنتخابات في تونس.
في سياق الثورات العربية تصنفت النخب والجموع الشعبية إلى عدد من التيارات بات من الضروري الحديث عنها بوضوح، فالحاجة اليوم ماسة للفرز أكثر مما هي للوحدة، "الوحدة المثالية" بين صنوف المعارضة في سبيل تحقيق "الهدف الموحد"!
ينقسم الشارع والنخب إلى ثلاثة تيارات أساسية:
v   التيار المحافظ .
v   التيار العدمي .
v   التيار الراديكالي المتيقظ .
يتشكل تيار المحافظين من الإسلاميين والليبراليين والنظام القائم على حد سواء، فمعنى أن تكون محافظاً هو أن تكون راغباً في وعاملاً على الحفاظ على "النظام" الحالي"، ومعنى النظام الحالي هو مجموعة السياسات والقوانين التي يسير بها المجتمع سياسياً وإجتماعياً والأهم إقتصادياً، فالإسلاميون ينخرون صفوف المعارضة ويعملون على تصدرها للإستيلاء على النظام والإبقاء عليه، بمعنى آخر لإسقاط مسمياته وإستبدالها بمسمياتهم، فبر نامج الحركات الإسلامية معروف للجميع، يتصدره الجانب الإجتماعي المتعلق بنصوص الشريعة،  وفي الجانب الإقتصادي المعاش ، لا يتضمن برنامج هذه الحركات أي تغيير للواقع الحالي ولا يقدم حلول واقعية لمشاكل الفقر والبطالة والطرفية في الإنتاج، وبالتالي هي وجه آخر لذات النظام.
ويشكل الليبراليون مكوناً آخر لهذا الصنف، وهم مكونون بالأغلب من الفئات المستفيدة طبقياً من بقاء النظام، وبالتالي هي أميل للحفاظ على النظام شكلاً ومضموناً، والحفاظ حتى على المسميات الراهنة.
يتقاطع الإسلاميون والليبراليون في الرغبة في الحفاظ على النظام جوهرياً، وكلاهما يتبنى في عمله طريقة سليمة لخدمة مبدأً غير سليم.
التيار الثاني هو التيار العدمي، وهو التيار الذي يتوقف عند حدود "الشعب يريد إسقاط النظام" ولا يخوض أبداً في التفاصيل، ويتكون من مجموعة من المندفعين ،و يروج هذا التيار نفسه على أنه الأكثر راديكالية، ولكنه عملياً غارق في العدمية، ينظر إلى تدخل الناتو على أنه مسألة ثانوية، وينظر إلى سياسات الأنظمة على أنها التي جلبت التدخل الخارجي وليس أي شيء آخر "الطموحات التوسعية وتأبيد التبعية على سبيل المثال"، يتقاطع هذا التيار شكلياً مع كل التيارات التي تعمل على إسقاط النظام شكلاً أو مضموناً أو كلاهما ، وشكلياً هنا دلالة على هامشية دور هذا التيار، ومن هنا تأتي عدميته أساساً، فهو لا يحمل مشروعاً خاصاً به لأنه يخشى التفاصيل، ولأنه يخشى كذلك الحلول الصعبة، المرهقة ذهنياَ، وبالتالي يتبنى خيار المزاج العام ويعرض عن تغييره أو تصحيحه. يتبنى هذا التيار طريقة غير سليمة لخدمة نوايا طيبة وغير واضحة المعالم تماماً، وليس لديه أي تحفظات على بدائل السلطات القائمة من باب الإستعدادية لجولات صراع جديدة.
التيار الثالث والأهم والذي ربما لم يولد بعد بالشكل الكامل، هو التيار الراديكالي المتيقظ، الذي يبحث عن إسقاط النظام شكلاً ومضموناً إنطلاقاً من المحددات التالية:
v   الهدف الأساسي للرأسمالية العالمية هو تأبيد التبعية المالية والإنتاجية على حد سواء، ولا ينسحب ذلك بالمناسبة على التبعية الثقافية الإجتماعية بالكامل "عدا ثقافة الإستهلاك التي لا تتعارض أبداً مع توجه الحركات الإسلامية"، ولذلك نرى أن لا مانع لدى الإدارة الأمريكية أن تستلم السلطة  السياسية تيارات دينية ولكنها في ذات الوقت غير معيقة لشكل التبعية الأساسي "المالي والإنتاجي".
v   وبالتالي، ينطلق مفهوم إسقاط النظام من نقطة تغيير هذه الصيغة، من نقطة بناء نظام يعمل على "وقف التدفق"، تدفق المنتجات والسلع من المركز إلى الأطراف، يبني المنطقة العربية إنتاجياً من جهة أولى، ويفك ديونها المالية من جهة ثانية، ويساهم في تأزيم التجمعات الإمبريالية من جهة ثالثة. ، ضمن هذه الصيغة، الإسلاميون والليبراليون محافظون، والعدميون غير محددين وتائهين..
v   إن ما يحصل في الدول العربية من إنتفاضات شعبية، لهو فرصة للتيار الراديكالي المتيقظ أن يحول الإنتفاضات إلى ثورات، لأنه الوحيد القادر على حفر هذه الصيغة في إستراتيجياً وإجتراح التكتيكات المناسبة التي ستؤدي تراكماتها في نهاية المطاف إلى هذه الصيغة.
v   إن تسويف تطبيق الحلول النهائية والدفاع عنها وترويجها هو بمثابة الحرمان منها، الشعب اليوم بحاجة إلى إسقاط "النظام"....
من هم أنصار الثورة المضادة في الثورات العربية؟
عملياً من الصعب تسمية هؤلاء بأنصار ثورة مضادة، فهم مقاومون للثورة، ولا يوجد هناك ثورة مضادة أساساً. فالأنظمة تبذل حهدها من خلال اللعب المماطلة واللعب على المساخات الرمادية "قانون الإنتخاب، قانون الإجتماعات العامة، قانون محاربة الفساد، ...إلخ" والخليج يضخ الأموال لإستثناء أي خيارات مناقضة، والإسلاميون يستخدمون الوتر الديني والإقليمي أحياناً لتحويل هذه الإنتفاضات إلى مكاسب سياسية لا أكثر.
صيرورة الثورة و"التغيير الديمقراطي"
لا يختلف إثنان على ضرورة إسقاط الأنظمة العربية، ولكن كيف؟ وهذا ليس سؤالاً ثانوياً، بمعنى أنه ليس عاملاً هامشياً في معادلة الإسقاط. لا تعني الرغبة في إسقاط النظام أبداً تجاوز تدخلات الناتو، ولا رغبة الجماعات الإسلامية على إعادة إنتاج النظام بصيغ أسوأ.
يدعي البعض أن التغيير الديمقراطي، وإن جاء بالإسلاميين سيكون جيداً، لأن صيرورة هذا التغيير ستقود لاحقاً، إلى تغيير الإسلاميين أنفسهم، ولكن هل هذا صحيح؟ هل مجيء الإسلاميين لا يؤثر على قيم الديمقراطية التي قد تحيدهم أنفسهم لاحقاً.
ماذا نفعل إذن؟ هل نقف "ضد" الشعوب؟
الدول العربية جميعاً بحاجة إلى بلورة خيار ثالث، ليس النظام الحالي وليس الإسلاميين، ويعمل هذا النظام على محددأساسي:
كسر التبعية الإقتصادية وبناء إقتصاد إنتاجي يمتلك صيغ تحالفات جديدة مع المحور المعادي لأمريكا والرأسمالية العالمية.
إن المطالبين بالعدالة الإجتماعية هم العاجزين عن إنتهاكها، لا بد اليوم في دول الأطراف والدول العربية جزء منها، تقديم المعركة في سبيل العدالة الإجتماعية والتصنيع على حساب المعركة في سبيل الديمقراطية البرجوازية. كيف؟؟؟؟ يبقى هذا السؤال الإستراتيجي والتكتيكي الكبير هوالأهم....





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق