السبت، 3 ديسمبر 2011

الغزو الثقافي لدول الأطراف

شهدت دول العالم الثالث ظاهرة المنظمات غير الحكومية الممولة من جهات أميركية وأوروبية "تحديداً في مجال حقوق
 الإنسان"، ويأتي هذا في سياق تجزئة الصراع الأساسي إلى صراعات عديدة، يعتبر كل منها مشكلة قائمة بذاتها يعمل على حلها مجموعة من الإختصاصيين، ولها مجموعة من المنظمات الخاصة بها، فتتشكل هيئات ضد الإستغلال الجنسي في العراق، وهيئات لإعادة الإعمار في العراق، وهيئات ضد تجاوزات مبادئ حقوق الإنسان في السجون وتطالب بسجون نظيفة حسنة المعاملة، وهيئات لإشراك المرأة بشكل أكبر في العمل، وهيئات تعمل على إشراك سكان المناطق الريفية والقروية بآخرين يأتون من أوروبا ومن أميركا بحجة العمل على "تطوير"سكان تلك المناطق، وهيئات للإشراف على "نزاهة"مختلف الإنتخابات، وهيئات خيرية لمساعدة الفقراء والإحسان إليهم، وهيئات تعلن الإلتزام بدمقرطة الوطن العربي،   وهيئات تتحدث في الجندر، وهيئات تعلم آليات بناء المشروع الخاص، وهيئات تبحث في نسب الجريمة والسرقة وتبحث في أسبابها "الأخلاقية".
أصبحت هذه المنظمات ممولاً أساسياً للعديد من المنظمات المحلية، وشمل ذلك العديد من الفئات السياسية التي كانت تتحرك بمنطق مختلف تماماً، حتى اليساريين الكلاسيكيين والمتطرفين، إنزلق العديد منهم في هذه التجارب، منهم من ركض خلف أشكال المنفعة الشخصية الخاصة بها، ومنهم من إقتنع بأوهام نجاح هذا المشروع، وحاول تبرير تبنيه على أنه خلاص الطبقة العاملة.
في كتاب "من يدفع للزمار، الحرب الثقافية الباردة" ل "فرانس ستونر سوندرز": "بدأت وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء إتحاد له واجب مزدوج وهو تحصين العالم ضد الشيوعية وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأميركية، وكان من ذلك أن تشكلت لجنة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الوكالة للترويج لفكرة مؤداها أن العالم في حاجة إلى "سلام أمريكي"، إلى عصر تنوير جديد وأن ذلك سوف يسمى "القرن الأمريكي".
نشرت صحيفة ترود الروسية وثيقة تحت عنوان "ظل بريجينيسكي"أن الولايات المتحدة وألمانيا ودولاً غربية أخرى زرعت في أوكرانيا 399 منظمة دولية و421 منظمة خيرية و179 منظمة غير حكومية لدعم فيكتور بوشينكو "قائد الثورة البرتقالية في أوكرانيا وحليف الغرب"، وتبين الوثيقة أتعاب هذه المنظمات أنها تتراوح بين 300 ألف و500 ألف دولار في الأسبوع الواحد.
كان الهدف من وراء ذلك هو العمل على إضعاف المجال الإقتصادي الحيوي بين روسيا وأوكرانيا، لأن الوحدة الإقتصادية بين هاتين الدولتين تهدد بالضرروة المشروع الرأسمالي بخطر ممكن وعودة نموذج الإتحاد السوفياتي.
ولقد عملت المنظمات غير الحكومية كذلك على ترويج مجموعة من المفاهيم والمصطلحات "المشاركة"، "التمكين"، "التنمية السياسية"، وكذلك "المجتمع المدني".
"ولد نموذج جديد أو عادت ولادته في العقود القريبة وهو المجتمع المدني، في السابق كان من يهمه المجتمع المدني يفترض أن يكون مؤرخاً مهتماً بلوك أو هيجل، ولكن المصطلح نفسه لم يكن له صدى معاش أو إثارة. بل كان يبدو مغطى بالتراب، أما الآن وفجأة إستخرج وأزيل عنه التراب وأصبح رمزاً براقاً" آرنست جيلنر.
"إن نجونت "NGO-IZATION" السياسة تهدد بتحويل المقاومة إلى عمل مهذب من الساعة 9 حتى الساعة 5 ومدفوع الأجر بالإضافة إلى مزايا أخرى، أما المقاومة الحقيقية فلها عواقب ملموسة كما أن ليس لها مرتباً"  أرانداتي روي.

هناك العديد من الملاحظات لا بد من الإنتباه إليها في عمل المنظمات غير الحكومية والمروجة لمفاهيم الليبيرالية الجديدة:
·       إن عمل هذه المنظمات وبمنهج تسليع النشاط السياسي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل المقاومة إلى عمل مفاوض ناعم غير ضاغط، وكأن الفقير والغني، الناهب والمستلب، طرفان يود كل منهما الآخر ويرغب في مساعدته!
·       إن هذه المنظمات تعمل على تجزئة المشاكل الناجمة عن النظام الرأسمالي أساساً، وتعطيها صيغ حل لا تتناسق مع أسباب المشكلة الأساسية.
·       إن كان المقصود بالمجتمع المدني هو حالة الطلاق بين الدولة والدين، فإننا شاهدنا جميعاً الحملة التي أطلقها جورج بوش، البرنامج المعتمد عيى الإيمان، فبات غزو العراق "رؤيا"، والحرب على أفغانستان "وحي".
·       إن كان المقصود بالمجتمع المدني هو الطلاق بين المجتمع والدولة، وإرتباطه بقطاع الأعمال قتلك مصيبة كبيرة جداً، فما تحتاجه شعوب الأطراف اليوم هو الدولة التي حرمت حقها في بناءها بموجب الفجوة التي نشأت علمياً وصناعياً بينها وبين دول الغرب.
·       إن وصفة المجتمع المدني هي وصفة المراكز للأطراف لغايات الإستلاب، يشير الهندي سانجاي كومار إلى أن أدنى المجموعات في نظام الطوابق في الهند حصلت على حقوق دستورية قبل إقرار "البرنامج الإيجابي" للزنوج في أميركا، وللآن حسب كومار من كل 3 سود في أميركا يقع واحد في قبضة النظام الجنائي. من ضمن ما نشرته صحيفة الواشنطن تايمز " أن المنظمات الفلسطينية ترفض المعونة الأمريكية عام 2004 وتمتنع عن التوقيع على تعهد بألا تستخدم الأموال لمساندة الإرهاب، وكما جاء على لسان بورتا بالمر من وكالة التنمية الدولية الأمريكية، فإن هذا ما يطبق عالمياً وليس على الفلسطينيين فقط". قبيل إنقضاض الناتو على يوغسلافيا عام  1999، عملت ال سي آي إيه على إنجاز وثيقة "الترويج للديمقراطية في يوغسلافيا"، بهدف إسقاط النظام هناك وإستبداله بنظام آخر عميل.
 

هناك تعليق واحد:

  1. تحليل منطقي وواضح وصادق على كل احتالو على المؤسسات الفلسطينية او بمعنى اصح وصلوا لاتفاق معها ان تمول تلك المؤسسات عن طريق مؤسسات وسيطة وبالتالي تتباهي المؤسسات انها لم توقع على وثيقة الارهاب ، مع انها تتمول من نفس الممول ولكن بالوساطة ،، طبعا مازال هنالك القليل من لم يسقط من تلك المؤسسات
    تحية والى الامام ..
    جهاد سبوبه

    ردحذف