الخميس، 7 يونيو 2012

ما حدث في مراكز التربية الخاصة، لا حلول في المنتصف

الحدث
التصوير الذي قامت به حنان خندقجي وقدمته لل BBC لم يكن مفاجئاً البتة، ومن قال أنه من المفاجئ أن يحدث هذا في الأردن، واحد من إثنين: إما أنه يحاول إخفاء الحقائق المرة التي يعيشها هذا البلد، أو أنه من الأغلبية الطيبة التي زيفت وعيها الصحافة ووسائل الإعلام المتنوعة.
في أحداث من هذا الطابع، ليس من الصحيح أبداً أن تنوقف عند الحدث في حد ذاته وتفاصيله بمعزل عن المسبب الأساسي لوجوده ، ولهذا تم فتح هذا الباب "في تحليل الحدث" كزاوية مستقلة في موقع راديكال. العديد من الناس شاهد الفيلم، والمظاهر اللاإنسانية في التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من ضرب وشتم وإهانة وتعذيب حتى.
ردة الفعل واضحة، تصدر الأوامر من كل صوب وجهة لإغلاق المراكز، ومحاكمة القائمين عليها، وستنشر الصحافة أخباراً ومقالات عن الحادثة، وستحمل المواقع الإلكترونية المقاطع الأكثر إستفزازاً، وسيتبادل الناس المشاهد على الهواتف النقالة، وستنتفض المنظمات الحقوقية مطالبة بإجراءات حاسمة، وستجري محاسبات لمسؤولين في الوزارات المعنية بالشأن الإجتماعي، وستصدر البيانات عن المؤسسات الشعبية المختلفة منددة بالحدث، والكثير الكثير من ذاك. بعد أيام ولربما أسابيع معدودة، يبرد الحدث، وتبدأ الصحافة في البحث عن صيد جديد، ولا يعود أحد لينظر إلى المشهد المستهلك، والمنظمات الحقوقية تنصرف لمتابعة عملها حالها حال الصحافة، والإستنفار اللحظي المضحك في وزارة التنمية الإجتماعية يتوقف، والمؤسسات الشعبية ستنشغل في بيانات جديدة لأحداث جديدة، وسيجري الإعلان عن تجديد المراكز بعد محاسبة "الفاسدين"، ويتبعها زيارة تنكرية يعلن عنها لاحقاً في التلفاز، وتكون نتيجة الإختبار النجاح بالضرورة، وينتهي الحدث، إلى أن تظهر حنان أخرى تكرر المشهد السابق بالكامل، سوف يتكرر الحدث مئات المرات، وليس في هذه المراكز فقط، سيتكرر ويتكرر، في المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الأمن ومراكز التأهيل والمدارس والجامعات، ما جرى ليس حدثاً عابراً، إنه ظاهرة متأصلة وملازمة للنمط الإجتماعي الذي نعيش والذي قرره النظام السياسي. لأنماط الحياة الإجتماعية طابعاً حزمياً، والنظام السياسي في بلدنا إختار هذه الحزمة، حزمة متكاملة الفساد جزء منها لا يحارب بمعزل عن باقي العناصر الصديقة له في ذات الحزمة. ولكن ما هي هذه الحزمة؟

حزمة واحدة
لا يمكن لك أن تطالب بمراكز تربية خاصة جيدة، دون أن تطالب بعودة كاملة للدولة من سباتها العميق، هذه العودة تحمل في طياتها الرقابة الجادة، وبناء منظومة المجتمع القيمية على أساس جماعي وعلى النقيض من المنظومة الفردانية، نحن جميعاً اليوم بحاجة إلى هذا التأهيل النفسي، أن نصبح جماعيين، أن ننتزع من داخلنا الفردانية والحلول الأنانية التي جعلها النظام السياسي الشكل الوحيد لهذه الحياة، وهذا ليس قراراً فردياً، بل قراراً سياسياً بحتاً. لا يوجد في الواقع حل إسمه "محاربة الفساد"، هذا شعار على المستوى الفلسفي مضحك، ولكنه في ذات الوقت إحدى الوسائل التي تحشد الساخطين، الذين سيصلون في النهاية إلى الجدار الأخير "المشكلة في النظام السياسي بأكمله، إقتلعه وستقتلع معه الفساد وستبيني مراكز جيدة للتربية الخاصة، هذه هي المعادلة الجذرية الوحيدة، وهذا هو الحل الوحيد".
اليوم نحن أمام نمطين شموليين للحياة، إما الفردانية وإما الإشتراكية. إما الحلول الفردية وإما الحلول الجماعية، إما مراكز خاصة للتربية الخاصة "تبحث عن إرضاء الزبون، أقول إرضاء الزبون"، وإما مراكز للتربية الخاصة هي تمظهر لمنظومة سياسية إجتماعية إقتصادية تقودها دولة حقيقية غير متهربة من مهامها، والأهم أنها تمتلك مشروعاُ حقيقياً.
"الدولة الفاسدة" هي إحدى أوضح مظاهر المنظومة الرأسمالية، للأسف لا يوجد حلول في المنتصف، وهذه هي الحقيقة المرة التي ستصبح يوماً ما وعيا جمعياً لا محالة.


هناك تعليق واحد:

  1. السبق الصحفي في المجتمع الرأسمالي لا يتعدى كونه سلعه. لها موسمها و تاريخ انتاجها وتاريخ انتهائها. أعجبني فيلماً ايطاليا صدر في مطلع السبعينيات عنوانه "ألق الوحش في الصفحة الاولى" يوضح العلاقة بين الحدث (كما تسميه أنت في مقالك) والسبق الصحفي واللحظة السياسية.

    ماركس كان قد أوعز إلى أن دور النشر في أي مجتمع رأسمالي يتحول في نهاية الأمر إلى ما يشبه سوق الأغنام في أحسن الأحوال. هذا بالنسبة للثقافة فما بالك بالمؤسسات الاعلاميه والتي طالما كانت أهدافها تصب في اشغال المواطن عن حقيقة الأشياء.

    الحل الجذري لمسألة دور الرعاية تكمن في إغلاق الخاص منها وتحسين وضع الحكومي من خلال خبرات محليه وطرد هيئات حقوق الانسان العالمية المتطفلة.

    الرابط للفيلم في الويكبيديا http://en.wikipedia.org/wiki/Sbatti_il_mostro_in_prima_pagina

    ردحذف